حراس الانهيار ونظام الفساد والإفقار واللادولة

في ظروف تتزايد فيها الصراعات الدولية والإقليمية لإعادة رسم خريطة منطقتنا جغرافياً وسياسياً، ويصل فيها النظام والوضع اللبناني الى الاهتراء والانهيار، ينحصر اهتمام السلطويين بالمواقع والمصالح الخاصة والفئوية، بعيداً عن قضايا الناس وقلقهم من جراء تدهور معيشتهم ومستقبل أبنائهم ومن الأخطار التي تحدق بالوطن.

ومع استمرار خلافاتهم هذه، يحاولون إلهاء الناس بتبادل الاتهامات في عرقلة تشكيل الحكومة، وكذلك بشأن حديث الرئيس عون ومطالبته رئيس البنك المركزي ووزير المالية، بإنهاء المماطلة في تقديم المعلومات المطلوبة من شركة الفاريس للتحقيق الجنائي، واعتبار البعض أنه يرمي إلى حرف الإهتمام بتشكيل الحكومة.

لقد كشفت التجربة أن سياسات الطبقة السلطوية وتناقضاتها، هي السبب الأساسي لما وصلنا اليه. وأن تشكيل حكومة من المنظومة السلطوية نفسها أو من أتباعها، لن يضيف إلّا مزيداً من مرارة الفشل. لكن لا يعني ذلك إيكال المهمة لدول خارجية لها مصالحها ومطامعها في المنطقة ولبنان. فقد كان لشعبنا وبلدنا تجربة طويلة مع رعايات ووصايات الخارج. فالبنية الاقتصادية التابعة وكذلك البنية السياسية الطائفية، تشكّلت في ظلّ سلطة الانتداب الفرنسي.

واستمرت هذه البنية بتبعيتها في مرحلة الاستقلال. وكان للخارج الدور المستمرّ في مساندة النظام الطائفي والأطراف المتمسكة به، وفي تسويات فوقية مؤقتة وتشكيل حكومات وانتخاب رؤساء للدولة. وهذه الأسباب جعلت لبنان ساحة صراعات ورسائل داخلية وخارجية، شديدة الكلفة على اللبنانيين. ولا تقتصر الأسباب على كون لبنان بلد صغير. فثمة بلدان صغيرة عديدة في المنطقة والعالم، ولا تحدث فيها اهتزازات مع كلّ رياح تهب في محيطها. فالذي يجعل أطراف الصراع في الداخل امتداداً للخارج، هو الطبيعة الطائفية للنظام وسلطته التي تتيح لزعامة الطوائف علاقة تبعية لمرجعيات خارجية بقنوات مذهبية ودينية شكلاً وسياسية مضموناً وليست معالجة هذا الأمر بالعودة إلى الوراء بطروحات التقسيم والفدرلة. فالحلّ الحقيقي يبدأ بإزالة التناقض البنيوي القائم بين وحدة الكيان جغرافياً، وبين نظام ودولة طائفية تفرز اللبنانيين مجموعات متساكنة وكيانات طوائف حذرة وخائفة من بعضها، ومانعة لوحدة الشعب والوطن. ومع وضوح دروس تجربة الحرب الاهلية المأساوية التي انفجرت في ١٣نيسان ١٩٧٥، يتمسّك المتعاقبون على السلطة بنظامهم هذا، لأنه يحمي فسادهم واستغلالهم الجشع للشعب، ويفرّق صفوفه، هذا الذي يجعلهم مصابين بالصّمم عن سماع صرخات الشعب المنتفض ضدّ الجوع والمطالب بإسقاط سلطتهم ونظامهم الطائفي وبالعمى عن مشاهدة وقراءة ما وصلت إليه حالة الناس من فقر وبطالة وضيق عيش وانسداد أفق، فيضطرون الى الهرب بمراكب الموت في البحر، علّهم يصلون إلى بلد يستطيعون العيش فيه. ألم يشعر الحكام بألم يُدمي القلوب بفاجعة انتحار الأخوات الثلاث في البحر الأسبوع الفائت وهنّ في عمر الورد بسبب شدّة الضائقة المعيشية وقلّة توفّر الحاجات الضرورية الكافية لأخوتهم والعائلة بكاملها وهم من سكان بلدة بزيزا في الكورة فما هو دور الحكّام وهل هم سلطة دولة أم حراس الانهيار واللادولة؟ ألم يروا مصادرة المصارف ودائع الناس ومعظمهم من ذوي الدخل المحدود. هل ادّعائهم مكافحة الفساد أوصل فاسداً إلى السجن؟ وعدوّاً بكشف جريمة تفجير المرفأ بأيام، وقد مرَّ تسعة شهور بلا نتيجة. وعدوا بالكهرباء 24 ساعة على 24 في العام 2015، وأٌنفق على الكهرباء حوالي 45 مليار دولار، وما زال التقنين والعتمة مستمرّاً. يتبجحّون بدعم حاجيات أساسية ومن مال الشعب، ونجد قسماً كبيراً منها يذهب إلى الخارج، وقسماً آخر تخبّئه المتاجر لبيعه بالسوق السوداء، والقليل يبقى للناس فيخلق التسابق والتشاجر على قنينة زيت أو دواء أو علبة حليب اطفال، فأين الدولة وأين القضاء. وهل يكون الحلّ في كانتونات ودويلات بطابع غذائي وأمني فئوي مقبول وطنياً؟ فالجوع شامل والحلّ شامل.

وإذا كان المخطط الأميركي الصهيوني دوراً اساسياً في الوصول الى الوضع الحالي، فإنه لا يعفي الطبقة السلطوية من مسؤولياتها ودورها في حصول الانهيار. وكذلك بالنسبة لقوى تناهض المخطط العدائي لكنها تشارك السلطة وتغطّي دورها وفشلها. فمقاومة الاحتلال الصهيوني وإفشال أهدافه، تستدعي مقاومة الشكل الآخر للمخطط نفسه الرامي الى تجويه شعبنا وانهيار بلدنا. وكما صحّ شعارنا " الشعب باقٍ والاحتلال الى زوال" يصح اليوم أن الشعب باقٍ في نضاله ضدّ الجوع ومن أجل التغيير، والمنظومة السلطوية ونظامها الطائفي العقيم إلى زوال.