لوجعِكم وآلامِكم ... لأجل أحلامِكم نزلنا إلى الشارع:
لأجلِ كل طفلٍ نام وينامُ على فراشِ الجوعِ والصقيعِ والمرضْ
لكل أمٍّ تضربُ اليومَ كفاً بكف ْ... تفتش عن زاويةِ دفءٍ.. وحبةِ دواءٍ وبعضاً من حليبٍ وغذاءٍ لأولادها!
لكلِّ أبٍ وعائلةٍ ذرفتِ الدمعَ حزناً على فقدان شهيدٍ في انفجارٍ المرفأ.
لكلِّ من تهدمت بيوتُهم وتشردت عائلاتُهم... لصغارِ المودعين الذين نُهبت أموالُهم... للمهمشينَ والمتعطلينَ عن العملْ... لمن تبخّرت أجورُهم وتعويضاتُهم وأفلست مؤسساتُهم... لشبابِنا وطلابِنا في الخارجْ... لمعاناة أهلِهم، ولكل من ضاقت بهِم الدنيا ووقعوا أسرى البطالةِ والعوزِ والفاقةِ وتراكمِ الديونْ.
لوقفِ نزيفِ هجرةِ الكوادرِ والكفاءاتْ.. وفتحِ ثغرةٍ في جدارِ الأزمة.
من أجلِ كرامتِنا الوطنيةِ خرجنا حاملين أعلامَنا... مناجلِنا والمطارقِ عنواناً لإنقاذِ وطنِنا، لبناءِ اقتصادٍ وطنيٍّ منتجٍ في الصناعةِ والزراعةِ والتعليمِ والصِّحةِ وغيرها من الخدمات المتقدّمة، بديلاً من النموذج الاقتصاديِّ الريعيِّ الذي انتهى إلى السقوطْ..
وبديلاً من سياساتِ الاستدانةِ والاستعطاءِ ورهنِ البلادِ والعبادِ للخارج... وتأكيداً على أنّ الخروجَ من الأزمةِ يبدأُ من الداخلْ ... لا من أوصياءِ الخارجِ ومشاريعِه المدمّرةْ.
فكلُّ التحيةِ لكم جميعاً أيها المتظاهرون، رفيقاتٍ ورفاقاً وضيوفاً وقد نزلتم إلى الشارعِ رغمَ كلِّ الصعوباتِ متحدّينَ أخطارَ الإصابة بكورونا..
خرجتُم ولم تخيبوا آمالَ شعبِكم في تصميمِه على الاستمرارِ في تصعيدِ المواجهةِ على طريقِ التحررِ الاجتماعيّ والوطنيّ، وهي طريقُ جبهةِ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية التي جمعت نضالَها التحرّريَّ ضدَّ الاحتلال الصهيونيِّ مع نضالِها من أجلِ التغييرِ والتحرّرِ من تبعيةِ النظامِ السياسيِّ الطائفيّ ومنظومةِ الاستغلالِ والفسادْ.
جئتُم اليومَ إلى الشارعِ للمشروعِ الذي من أجلِه مشينا وانتفضَ اللبنانيون... من أجل مشروعِ الدولةِ العَلمانيةِ الديمقراطيةْ... دولةِ المواطنةِ والعدالةِ الاجتماعية... دولةٍ مقاومةٍ للتطبيعِ وللكيانِ الصهيونيّ واحتلالِه وعدوانِه.
نزلتُم من أجلِ مشروعِ الانتقالِ بلبنان إلى نظامٍ سياسيٍّ يرسى بناء هذه الدولةِ بالاستنادِ إلى أوسعِ ائتلافٍ سياسيٍّ لقوى التغييرْ ... يتولّى مسؤولية قيادة الصراع ضد المنظومة الحاكمة... وانتاج سلطة بديلة لإدارة المرحلة الانتقالية.
سلطةٍ بديلةٍ من خارجِ المنظومةِ الحاكمةْ، تقرُّ رِزمةٍ من القوانينِ الاشتراعيةِ وفي مقدمِها قانونٌ للانتخاباتِ النيابية يعتمد النسبيةَ خارجَ القيدِ الطائفيّ، والدائرةَ الواحدةَ انطلاقاً من المادةِ (الثانيةِ والعشرينَ) 22 من الدستورْ.
لأجلِ ذلك جئتُم تدقونَ ناقوسَ الخطرِ الذي يهددُ مصيرَ لبنانَ وكيانَه ووجودَهْ، فتطلقون بذلك الموجةَ الثانيةَ من الانتفاضةِ كي تصبحَ أكثرَ وضوحاً وجذريةً وكي تتحصّنَ فعلاً ببرنامجٍ وقيادةٍ وهُويةٍ واضحةْ. هي انتفاضةٌ وطنيةٌ ديمقراطيةٌ من كلِّ لبنانَ ولكلِّ لبنان.. تولدُ من رحمِها وتُبنى الدولةُ العَلمانيةُ الديمقراطيةْ.
جئتم شاهرينَ مشروعَكم بمواجهةِ مشاريعِ المنظومةِ الحاكمةِ التي تسعى إلى إعادةِ إنتاجِ دويلاتِها وتبعياتِها وطائفياتِها ومذهبياتِها التي لا تنتجُ إلاّ الحروبَ المدمّرةْ.. وبمواجهةِ الدعواتِ لمؤتمرٍ دوليٍّ او تأسيسيٍّ جديدٍ يقودُ إلى تسويةٍ طائفية جديدة، ومحاصصةٍ جديدةٍ تؤبِّدُ النظامَ الطائفيَّ الإفقاريَّ المولّد للحروبِ الأهليةِ إلى ما لا نهايةْ.
جئتم لتعلنوا مواجهتَكم لصيغ التقسيمِ والفدرلةِ كافّةً.. ودويلاتِ المزارع ِباسم ِالمناصفةِ أو المثالثة أو المحاصصةْ ... وكلُها صيغٌ لا هدفَ لها سوى ترسيخِ تحكّمِ أمراءِ الأمرِ الواقعِ بجماهيرِ الطوائفِ وإبقائِها تحت سيطرتِهم.
لقد اختبرتِ القوى الحاكمةُ كلَّ هذه المشاريعِ منذ نشأة ِ لبنانَ الكبيرِ.. إلى الميثاقِ الوطنيِّ.. إلى لوزان وسان كلو واتفاقِ الطائفِ واتفاقِ الدوحة وصولاً إلى التسويةِ الرئاسيةِ الأخيرةْ ... والنتيجةُ كانت الكوارثَ والحروبَ المتلاحقةْ.. وآخرُها ما نحن عليه من انهيارِ ومخاطرِ الانفجارِ الاجتماعيّ. أما آن الأوانُ لمحاسبةِ هذه المنظومةِ على ما ولّدته هذه المشاريعُ من محن... أما آن الأوانُ لنتعظَ من دروس هذه التجارب فنضعَ حدأ لعدم تكرارها.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
الرفيقاتُ والرفاق!
لقد كشفتِ المنظومةُ الحاكمةُ لبنانَ وشعبَه أمام العالمِ، وأمام العدوِّ الصهيونيِّ المتربصِ بلبنان. ارتكاباتُها هي عدوانٌ على كرامةِ اللبنانيين التي عجز العدوُّ الصهيونيُّ من النيلِ منها. والاعتداءُ على الكراماتِ أسوأُ من الحربِ الأهلية، وأصعبُ في القمعِ والاعتقالِ والقتلِ وعدم توفير اللَّقاح المجاني لجميعِ اللبنانيين، وفي إجراءات الموازنةِ الجائرةِ والرفعِ العشوائيّ للدعم الذي يُصيبُ رغيفَ الخبزِ وحبةَ الدواءِ والمحروقاتِ والانقطاعَ المتواصلَ للكهرباء، والارتفاعَ الكبيرَ للأسعارَ ويؤدي إلى خرابِ التعليمِ الرسميِّ والجامعةِ الوطنيةْ.. ولا كابيتال كونترول ولا من يحزنونْ.. واللائحةُ تطولُ وتطول ولا محاسبةَ.. ولا عقابْ.. من يحاسب من؟ كلٌّ يلقي المسؤوليةَ على الآخر...
جئتم تؤكدونَ في هذه التظاهرةِ وما سبقها من تحركاتٍ واعتصاماتٍ وضغوطٍ واتصالاتٍ قامت بها عائلةُ المناضل جورج ابراهيم عبدالله وحزبُكم والحملةُ الدوليةُ واللجنةُ الوطنية والمناضلون الوطنيون والمقاومون كافة.. وقد أسفرت عن خطوةٍ هامةٍ قامت بها وزيرة العدل اللبنانية من أجل تسريع إطلاقِ سراحِ المناضل جورج ابراهيم عبدالله، المعتقلِ في السجونِ الفرنسية دون وجه حق، مؤكدين على مواكبتِنا ورفع صوتنا انتصاراً لهذه القضية التي نعتبرُها قضيةً وطنيةً بامتياز.
ومن موقعنا كحزبٍ مقاومْ، حزبِ المقاومةِ الوطنية اللبنانيةِ، جمّول، نقول: إنَّ آخرَ من يحقُّ لهم الكلامُ وإلقاءُ مسؤوليةِ الانهيار على سلاحِ المقاومةِ هم الذين يريدون أخذَنا إلى التطبيعِ مع العدوِّ الصهيونيّ، وفرضَ الشروطِ الأميركية، وهو ما علينا مواجهتُه في إطارِ مقاومتِنا الوطنيةِ الشاملة ضد كلِّ أطراف هذه المنظومةِ الحاكمة المتمسكة ببقاء هذا النظام الطائفي وحمايته.
نقولُ لهم اليوم: فشلتم ... ارحلوا، فلا مفرّ من قيام مشروع سياسيٍّ بديل يعلن صراحةً جهوزيتَه لإدارةِ المرحلة الانتقالية. لقد تجاوزتكم الأزمة وما عدتم قادرين على التحكم بها. ولا يمكنكم الهروبُ من الوقائع: سقطتم قانونياً... وأخلاقياً... وسياسياً... وسقطتم شعبياً في مجمل سياساتِكم العامةِ المستمَدة من نمطِ اقتصادِكم الريعي، وهي السياساتُ التي سهّلت لكم السطوَ على المالِ العام والخاصْ.. ووصلت إلى حدّ التسبّبِ بانفجار المرفأ والتمنُّع عن كشف خباياه.
في ظل نظامكم وسلطتكم يحصل الانهيارْ وأنتم مسؤولونْ ويجب محاسبةَ المرتكبين ومحاكمتُهم في ظل سلطةٍ قضائيةٍ مستقلة لا في قضاءٍ ترسّخَ فيه الفسادُ والتبعيةُ للمنظومة الفاسدة.
كفى مراهناتٍ على تسوياتٍ خارجيةٍ لا تزالُ مفقودةً ويدفعُ ثمنَ انتظارِها اللبنانيون من حياتِهم اليومية. ومن يدعوننا لانتظار التسوياتِ إنّما يدعون للاستسلام للكارثةِ ومصادرةِ الشارعِ وخلقِ التوتراتِ والصداماتِ لحصرِ الصراعِ بين أطرافِ المنظومةِ الحاكمة، وتصويرِه صراعاً طائفياً مذهبياً وجعلِ التسوياتِ تحت سقفِ هذا النظامِ السياسي الطائفيِّ البائس.
وعليه نعلن اليومَ إطلاق التحركات وتوسيعها مع كل قوى التغيير الديمقراطي، وبشكل تدريجيّ متصاعد لتتوَّج في عيد العمال في الأول من أيار، ليكون يوماً وطنياً للإنقاذ الحقيقيّ للبنان، على يد كادحيه، كلِّ الكادحين، عمالاً وشباباً ونساءً، وأجراءَ ومهمشين ومتعطلين من العمل ومهنيّين وموظفين ومعلّمين ومتعاقدين ومتقاعدين ومستأجرين...وصولاً إلى قيام البديل السياسيّ الممهّد للدولة العلمانية الديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية.
بيروت 28 آذار2021