أفكار بنات Vs. بنات أفكار


المقالة الأولى: هل كلّ إنسان جميل؟ - بيان عيتاني
لأنّ الأيّام الّتي نشعر فيها أنّ لا شيء على ما يرام أكثر من الأيّام السّعيدة،


والأيّام الّتي نعتقد أنّنا نبدو فيها رائعين معدودة جدّاً.
وفي دوامة الحياة، عدد الأشخاص الّذين يشاركوننا - دون أن نسأل عن رأيهم - انطباعاتهم واستفساراتهم حول التغيّر في شكل أجسامنا أو مظهر البثور في وجهنا أو تسريحة شعرنا، كثير جدّاً. وأغلب هذه الانطباعات لا تترك لدينا أثراً جيّداً. نستنتج في النّهاية أنّنا لسنا وسيمين وجميلات بما فيه الكفاية.
في إحدى تجاربي المهنيّة، تشاركت المكتب مع صديقة تقول، " كلّ إنسان جميل !!". كنّا أنا وزميلتي الأخرى نواظب على مشاركتها صور لأشخاص هم بنظرنا قبيحين، لكنّها لم تغيّر موقفها أبداً. النّاس أذواق، ولذلك هناك أشكال مختلفة منّا، هذا ما كنت أقوله دائماً. ومن جملة أسئلتنا حينها: هل هذه المرأة السّمينة جدّاً جميلة؟ هل هذا الرجل الأصلع وسيم؟ هل هذه الفتاة التي فشلت عملية تجميل أنفها البشع وأصبح أكثر بشاعة جميلة؟
لعلّ تراكم السّنين أثّر على رأيي، حيث أنّ الإنسان - خاصة النساء- عند تعدّي عتبة الثّلاثين، يحاول استثمار مقوّمات أخرى، عدا عن جماله، للفت الانتباه. لا بل إنّي أجد اليوم أنّ هناك فرق شاسع بين "لا يوجد أحد بشع" و"كلّ إنسان جميل". فكون الإنسان "غير بشع" لا يعني أنّه بالضّرورة جميل.
ومفهوم الجمال اليوم يعكس مدى وقاحة مجتمعنا! نحن نحدّد أنّ الجمال هو شكل معيّن، وطول معيّن، وحتّى أحياناً تسريحة شعر معيّنة – عبر ربط ذلك بمفاهيم التّسويق والموضة وعالم الإعلانات. وبالتالي قطعاً حين يعلّق من حولي على شكل أنفي مثلاً سيصبح هذا الأنف هو مصدر تعاستي، ويتمحور العالم حوله. ولن أتقبّل شكلي في المرآة أبداً إلّا بعد أن أجري عمليّة تجميل.
وإذا كنت مقيّدة بلباس ما، مثلًا لباس المدرسة، أو لباس ديني مثل الشادور أو الحجاب، سأجد هذا الّلباس يؤثر بشكل سلبيّ جداً على مظهري الخارجيّ. لذلك كانت الفتيات يهرعن عند انتهاء الدّوام المدرسي إلى التواليت بدلاً من بوابات الخروج، لكي يضعن أوّلاً المساحيق التّجميليّة على وجوههنّ ويصبحن أكثر تميّزاً عن باقي الفتيات المملّات المرتديات الّلباس المدرسيّ "بلا ولا شي".
في التنظير كلّنا ندّعي أنّ الشكل ليس كلّ شيء. لكن، ماذا عن بعض الأسئلة التّحفيزيّة حول تطبيق هذا المثل: حين نقود، هل نتيح المجال لصبيّة لتعبر الطّريق أمامنا بنفس المقدار الذي نتوقف فيه لكي تعبر عاملة منزليّة ممتلئة أو عجوز؟ وحتّى إذا طبّقنا هذه الفرضيّة حول أشكال المقتنيات وليس فقط الأشخاص، يمكننا التّساؤل، هل نفسح الطّريق لسيّارة حديثة وكبيرة ويقودها سائق يبدو أنيقاً، بنفس القدر الذي نفسحه لشاحنة جمع الخردة؟
حتّى بالنّسبة للأشخاص الذين يتّفقون أنّ الجمال نسبيّ وأنّ ثقافة الاختلاف هي بحد ذاتها غنىً لثقافة الجمال، لا يمكننا أن ننكر أنّنا نقع فريسة المعايير الموضوعة للجمال، وأنّنا أحياناً لا نرى جمال بعض الأشخاص إلا بعد قضاء وقت طويل معهم أو حتّى معرفة قصّتهم وتخيّل أنفسنا في مكانهم. إحدى الفتيات كنت أعرفها فقط افتراضياً عبر الانترنت، وكنت أنظر في صورها وأتساءل، كيف يمكن أن يصل أي مخلوق لهذا الوزن؟ ثمّ بعد فترة تعرّفت إلى هذه الفتاة وصعقت لمعرفة أنّها بالكاد تأكل وكلّ ما تحمله من وزن هو نتيجة مرض معيّن. ومنذ تعرّفي إليها، وإلى قصّتها وكفاحها، صارت بالنّسبة لي مضرب مثل...!!
نحن لا نستطيع التحكّم دائماً بانطباعاتنا حول الآخرين، وبطبيعتنا البشرية قد تخطر لنا أفكار ما حول كلّ شخص نقابله، لكن ما علينا محاولته هو التريِّث وعدم إطلاق الأحكام على أيٍّ كان ومحاولة رؤية، وليس استكشاف، الجانب الجميل في كلّ إنسان. كانت صديقتي على حق، ولا زالت، كلّ إنسان جميل...!!
المقالة الثانية: جاذبية الأدمغة: جنان خشوف
كنت قد توتّرت بعد سماع الأخبار، وأنقضّ على صدري هاجس الأيام المقبلة، لأهدأ كطفلة في حضن أمها على أغنية فيروز "بقطفلك بس". ليس هذا هو موضوع مقالتنا اليوم، بل أنّي من فرحتي شاركت الأغنية مع تعليق عن عبقرية فيروز في نقلنا إلى حالة.... ليأتي أحد التعليقات: " ربما عبقرية ولكنها حقاً قبيحة !!"
ليس الموضوع هنا إن كانت فيروز قبيحة أو لا، وبرأيي لا، ولكن لماذا يهم أصلاً أن نفكر بجمالها! لماذا يكون " عدم جمالها " انتقاصاً من عبقريتها؟ الموضوع مباشرة حفزّ في رأسي عدّة أسئلة / استنتاجات:
● يمثّل الجمال الجسدي عندنا نحن اللبنانيين (ليس حصراً) أهمية كبيرة. منذ الطفولة الأولى كلّ "كلمات الدلع" وخاصة للفتيات أساسها الجمال الجسدي، فينشأ عندنا هذا التقدير الذاتي تقريباً حصراً بناءً على جاذبيتنا الجسدية أو بالأحرى منظور أهلنا والمحيط حول جاذبيتنا الجسدية. مثلاً أذكر في الصف الثالث الابتدائي، كنت أكثر الطالبات قدرة على الرقص، ولكنه لم يتم اختياري لأكون الراقصة الأساسية في حفلة المدرسة، بل اختيرت الفتاة الأجمل في الصف، رغم قدرتها الأقل على الرقص. شئنا أم أبينا، هذه الممارسات تزرع فينا تقديساً دفيناً للجمال الجسدي، وتربط أهميتنا بجمالنا الجسدي.
● إدراكنا للصورة النمطية أن "كل ما هو جميل هو جيد" غير مكتمل. بحسب دراسة (Kassin, Fein, Markus,& Burke 2011)، هذه الصورة النمطية هي عالمية ومثبتة بالإحصاءات، ولكن إدراكنا لهذه الصورة النمطية، يقلّل من تأثيرها على قرارات التوظيف، والاختيار، وينقل تقييمنا لما هو جيد إلى معايير أكثر علمية مرتبطة بما يتم تقييمه. مع هجمة مواقع التواصل الاجتماعي، زعزعة هذه الصورة النمطية أكثر تحدياً.
● الجمال نسبي، ومتغير. بالرغم من وجود معايير عالمية مرتبطة بالجمال كالتماثل symmetry، وبعض التفاصيل الجسدية المرتبطة بالتكاثر والخصوبة، ولكن الباقي يفرضه المفهوم الاجتماعي للجمال. هذا المفهوم الاجتماعي للجمال الذي يتحكّم به حيتان رأس المال بهدف التسويف والربح... حواجب عريضة فينتقل الجميع للحواجب العريضة، حواجب رفيعة فينتقل الجميع إلى عمليات التصحيح، بوتوكس، فيلرز.... الهدف اقتصادي بحت! يجب أن نتوقف عن الانصياع نساءً ورجالاً لهذا الغباء!... في دراسة رائعة حول تجاوب الرٌضّع مع الأشخاص " الجميلين" تبيّن أن تجاوب الرُضّع لا يتغيّر مع الجمال بل يتغيّر حصراً مع تماثل الوجه، تقديسنا للجمال مكتسب اجتماعي.
● منظور الجمال مرتبط بالتعرّض، وقد أثبتت الدراسات ذلك. في دراسة رائعة (Li et al., 2011) تبيّن أن منظورنا لجمال شخص "عادي الجمال" يتحسّن مع رؤيتنا له بشكل متكرّر أي أننا نراه أجمل، أما منظورنا لجمال شخص “جميل جداً" ينخفض مع رؤيتنا له بشكلٍ متكرٍر أي أننا نراه مع الوقت أقلّ جمالاً.
● وضعنا النفسي، والهرموني، وتوقّعاتنا تغيّر مفهومنا للجمال. نحن في الحقيقة نبحث عن أشياء مختلفة خلال حقبات أو فترات مختلفة من حياتنا، ونبحث عن الصفات الجسدية المرتبطة بذلك في وعينا. مثلاً مع تقدّم النساء بالعمر، وانخفاض الخصوبة، تقل نسبة ارتباط جاذبية الرجال بالخصائص الذكورية بل تبحث عندها النساء على خصائص أنثوية أخرى في مظهر الرجل كالتعاطف مثلاً...
● إن جاذبيتنا غير مرتبطة مباشرة بصفاتنا الجسدية، بل مرتبطة بمنظورنا لصفاتنا الجسدية، وراحتنا وتقبّلنا لصفاتنا الجسدية وقانون الجاذبية Law of attraction، يكرّس ذلك على صعيد الصداقات وعلى الصعيد الرومانسي أيضاً.
● أخيراً والأهم، نحن لسنا أجساداً وأهميتنا هي أهمية كلّية وليست مجزّأة أو منقوصة، وأيّ شخص يقيّمنا على الصعيد الجمالي فقط هو سطحي وذكوري ومهين وينتقص منه شخصياً قبل أن ينتقص منا نحن...!!
لن يزيد جمال " الست فيروز" من عظمتها، ولن يقلّل، لأن عظمتها على صعيد أعمق. وأيّ شخص يهمّه شَعري أكثر مما يهمه ما أقوله بالنسبة لي قبيح.
مقابلة مع المعالج النفسي إيلي غزال
● ممّ تتكوّن نظرتنا لنفسنا وكيف تكون صحية؟
يجب أن نميّز بين نظرتنا الصحية لنفسنا ونظرتنا غير الصحية لأنفسنا، وقد تتقاطعان في الأساليب. النظرة الصحية هي مثلاً أن نحبَّ أنفسنا كما نحن، وأن نسعى لنكون أكثر صحة ورخاءً. مثلاً كأن نمارس الرياضة أو ننتبه لنوعية طعامنا ليصبح جسمنا أكثر صحة، وليس بهدف إرضاء الآخرين باكتساب جسد جميل يرضي القواعد العامة.... نظرتنا الصحية لنفسنا تجعل قيمتنا محدّدة داخلياً وليس حسب تقييم الآخرين خاصة شكلياً. أما نظرتنا السلبية لأنفسنا فهي عندما ينتابنا القلق بشكل دائم حول شكلنا الخارجي وترتبط قيمتنا بكيف يرانا الآخرون، ويصبح الهدف هو الاستحصال على الإعجاب حتى لو على حساب الصحة النفسية والجسدية. عندما تكون نظرتنا لأنفسنا سلبية نكون بتوق مستمر لإعجاب الآخرين لنشعر بالرضى، ويرتبط شعورنا بالرضى من كمية المعجبين الحقيقيين أو الافتراضيين وعدد "اللايكات" على مواقع التواصل الاجتماعي.
● ما هي الأمراض والاضطرابات النفسية المتعلقة بمنظور الشخص لجسمه؟
لدينا عدد من الاضطرابات المتعلّقة بنظرة الشخص لجسمه كاضطراب التشوّه الجسمي أو ما يعرف باسم Body dysmorphic disorder‏ وكان يعرف سابقاً باسم ديسمورفوبيا، وهو يصيب النساء أكثر من الرجال، ويجعل المصاب يرى حقيقة مغايرة عن جسمه أو شكله كأن يرى نفسه مصاب بالسمنة الزائدة وهو في الحقيقة نحيفاً، أو أن يرى صورة مشوّهة عن جسمه. أما فقدان الشهية العصبي أو الأنوركسيا هو اضطراب الأكل الذي يَتَّسِم بفقدان الوزن غير الطبيعي، والخوف الزائد من اكتساب الوزن، والإدراك المشوَّه لوزن الجسم. يضع الشخص المصاب ضغطاً وتوقّعات غير منطقية من نفسه حول حاجاته الغذائية. أما ما قد يكون سبب اضطراب التشوّه الجسمي فهو الضغط الاجتماعي والصورة النمطية وخاصة على النساء، والجسد المثالي والفوتوشوب... وقد تكون نظرة المصاب لنفسه مرتبطة بمتطلبات الأم العالية جداً خلال فترة الطفولة والتي من الصعب إرضاؤها.
● ما هي الأمراض والاضطرابات النفسية المتعلقة بمنظور الشخص لنفسه من ناحية أخرى؟
هنالك عدد من الاضطرابات في الشخصية المتعلقة بنظرة الشخص لنفسه، منها النرجسية، وهي صعبة العلاج، وعادة لا يلجأ المصاب للعلاج بسبب إدراكه لعوارضه أو لاضطرابه بل بسبب معاناته من عدم تماشي الآخرين معه أو تقديرهم الكافي له. تكون نظرتهم لنفسهم فوقية مترافقة مع نظرة دونية للآخرين، قليلي التعاطف.... أحد أسباب النرجسية التربية الخاطئة بقطبيها، إما يهمل بشكل كبير خلال طفولته ولا يتلقّى الحبَّ والاهتمام المطلوب فيقوم بالتعويض لنفسه بادّعاء الثقة الشديدة بالنفس، أو من ناحية أخرى من التعظيم والتبجيل خلال الطفولة فتصبح نظرته لنفسه لا تتماشى مع الواقع. النرجسيون يحلمون بالمجد والشهرة ويتمتّعون بسحرٍ كبيرٍ اجتماعياً ولكن في حياتهم الشخصية تكاد تكون الحياة معهم مستحيلة. هنالك أيضاً جنون العظمة، ونراها عند بعض القادة والسياسيين، حيث تكون ثقتهم بنفسهم وقراراتهم كبيرة بحيث لا يعيدوا النظر بالأخطاء، بحيث هم لا يخطئون، ولا يقبلون المشورة، ويدخلون في مغامرات غير محسوبة مثل موسولسني وهتلر وغيرها من الأمثلة المحلية... أما القطب الآخر فهو اضطراب الشخصية الاجتنابية (Avoidant personality disorder) المتمثلة بثقة شبه منعدمة بالذات، القلق، واهتمام كبير لرأي الآخرين، كما يعتبرون أنفسهم غير أكفاءٍ اجتماعيا أو غير جذّابين شخصياً. مجدّداً ترجح أسبابه لعوامل اجتماعية وأسرية مرتبطة بالطفولة.
كخلاصة، من المهم جداً التوازن في الثقة بالنفس، الثقة الزائدة تجعلنا مغامرون بشكل غير محسوب، والثقة القليلة تجعلنا مترددون، وخائفون من التجربة ومن الفشل وفي حالة قلق مستمرة. ومن الأهم أن يعرف الأهل أهمية الطفولة الأولى في تكوين شخصية أولادهم، وتأثير سلوكياتهم بشكل مباشر وكبير على مستقبل أطفالهم النفسي، واعتبارهم الصحة النفسية لأولادهم بالأهمية نفسها للصحة الجسدية…