ونحن في هذه الذاكرة الصفراء، والتذكّر المدمّى في الوعي الجمعي... كمن يسير والقاتل كتفاً بكتفٍ إلى حتفه كلّ يوم. ولا مَن يحفل لأجل حماية السلم الأهلي بالعمل على اجتثاث إرهاصات الثالث عشر من نيسان لعام 1975... ذكرى مؤلمة، نحتاج فيها لذاكرةٍ حيّةٍ، لقلوبٍ حيّةٍ ونوابا طيبة، لإنسانيين أخلاقيين وطنيين... لنأخذ بأيدي بعضنا البعض من العتمةِ إلى النّور، لنطلعَ من كلِّ الموتِ إلى كلِّ الحياة...
******
ألَا خبّريني يا أرضُ... كيف احتضنتِ جسدَ الشهيد
وعتباتُ الدار انحنت... وأحْنى العمرُ على دمِ الوريد
وفي الدنان جمرُ... وجراحٌ من تصادي اللهيب
وهذا الهجرُ... بيادرُ التعبِ وغياهب الحديد
هذا النحرُ... يطفحُ بخطى الدروب والغروب
بعرق السواعدِ والجبين وبضعةُ الأكباد
فوق قممٍ مطرّزةِ الغيم والمطر
والشفاهُ والنظرات قُبَلٌ وسفر
وعلى ثغر الفجر... تتشابك الأنفاسُ
تعدو خيالاتها في وحشة الفراق
في احتراق الندى في شهيق الحريق
في الدمع كحلُ الصديد
ولا شيءَ يكفي الحقائبَ ونمضي
لا الحزنَ يجدي ولا البُعاد
والصفحات تهمي.. والأيام لجامُها دخانٌ ورماد
وأمواجُ السوادِ توالدُ ذاتها.. تكاسرُ ذاتَها وتُبعثرُ الأضداد
ومن صار في الغياب.. يولدُ قمري هلالَ الوجود
وفوق الملاعب يكتمل بدري.. ولكم ترفّقتُ بالروح كي يعود
وأرقتُ خمرة الشفاه على الوردِ وهذا الورود
وابنة الكرمة في كؤوس الموانئ والمصابيح
وقد شهدتْ على فمي، وعتّقتها القصائد
ومن نام في دمي.. أشعل دمي،
كيف ينفجر غداً... وفي الماضي السحيق
والأزمانُ من مهمهِ الغيوم
تميدُ والسرابَ والمسام
والأرضُ بسُحُبِ الصلبانِ تميد
رؤوسنا يا أخي العربي على الأعواد
من المهد إلى اللحد.. كلنا جنازاتُ الطغاةِ والعبيد
أمةٌ من الماءِ إلى الماءِ في المزاد
نهتف للأموات بلسان الضاد
للمعاقل للغيلان للأغلال للتوابيت
ولمّا تزلِ الأرحام تهبُنا الحياة... كما لو رُجّعَتْ الجثثُ
تقاسمُنا الشهادةَ والميلادَ والحِداد.