العيد الستين للحزب وَبَعْـــــــد.. فـــــــإلى الفَـــــــرح الأكبر
فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
في الذكرى الثالثة والثلاثين لاستشهاد المفكّر حسين مروة، خواطرٌ وذكرياتٌ لا تمحوها سنوية الذكرى
...لطالما أسأل، وأتساءل بعجَب، هل ذكرى الأحبّاء تتهادى متقدِّمةً بصمت وهدوء على صفَحاتِ الزمن فتصلُ إلى يومٍ محدَّدٍ في السنة لاستذكار مغادرتهم الحياة؟! وأتساءَلُ، وأكادُ أصدِّقُ نفسي، حين نعيش شؤونَ الحياةِ اليوميةِ وشجونها، هل يُنسينا تتابعُ الأيامِ لتُذكّرَ بالأحبّاء؟! أسألُ نفسي، حين أخلدُ إلى الراحةِ والهدوء بعد ممارسة ما تيسّرَ لي من أعمال كثيرةٍ تشغلُني يومياً: هل أنسى هوْلَ الصدمة، والأسى يفاجئني وأنا بكامل وعيي ونشاطي؟ هل أنساه يدوّي في نفسي صواعقَ رهيبة، وأنا أستعيدُ لحظاتٍ هدَّمَتْ كل أحلامي وآمالي؟! هل أنسى لحظةَ المشهدِ الصاعق وأنا في حضرةِ شهيدنا المفكّر حسين مروة: ممدَّد جسدُه، ورأسُه، المصاب برصاصة واحدةٍ وحيدة كاتمةٍ للصوت، مستنداً على ركبتيْ زوجته المفجوعةِ وسط بركةٍ من الدماء الزكية؟
تلكَ كانتْ لحظاتٍ رهيبة، جمّدت الدمَ في عروقي وأنا أنظرُ إلى الزوجة المنكوبة الباكية بصوتٍ مرتجف يستنجدُ بكلماتٍ مبهمة، يُحاكي ذهولي وأنا أنحني، ملامِسةً قلب الجسدِ الممدّد، أحاولُ - عبثاً - الاستماع إلى دقّاته، علّها تمنحني أملاً لسماعها، لكن، بدا لي حينها أنّ الحياةَ انطفأتْ من جسده النحيل.
ذكرياتٌ تراودني في كلِّ مناسبة، في كلّ مجلسٍ وكلِّ محيط ومع كلِّ مُسامِر. أمام كلِّ مقالة، أمام كلّ بحثٍ للشهيد أقرؤه: نقدي، أدبي، سياسي، فكري، فلسفي، اجتماعي أو معيشي.
ذكرياتٌ متلاحقةٌ تستحضرُني خلال مسافاتٍ من الزمن الماضي والحاضر، سألتُ نفسي مراراً خلالها - ربما ببلاهةٍ متعمَّدة - قبل أنْ أسألَ أحداً: ماذا جرى وكيف ولماذا...؟ ثم يتّفق لي أنْ أعبُرَ في لحظةٍ من لحظاتِ العدِّ التاريخي للسنين والشهورِ والأيام الغابرة، لأصِلَ إلى شهرٍ واحد: شهر شباط من العام ١٩٨٧، واليوم السابعِ عشر منه بالذات، الساعة الرابعة بعد الظهر، ساعة الاتّفاق على لقائنا معاً لمساعدته في البدء بنقل ما كتبه من رؤوس أقلام - رتّبها على عدد هائل من وريقات لا يَفهمُ الخطّ فيها إلّا هو شخصياً - بحيث أكتب أنا كلّ ما يسرد هو عليَّ من الأبحاث المهيّأة لإنجاز مواضيع الجزء الثالث من موسوعته "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية". أستذكر مراراً تلك اللحظة التي كنتُ أهمُّ بالحضور لعنده لتنفيذ المهمة، وكانت الصدمة، ضاع الحلم، حلم حياته لإصدار الجزء الثالث إيّاه، وحلمه الثاني لكتابةِ مذكّرات كاملة لسيرةٍ غنيّة بما حملت من بهجة الحياة والأمل بالحياة ومن فرحة الشعور بجمال الدّنيا والخير والتقدّم والنضال والعطاء لما توصّل إليه من جديدٍ في الميدان الثقافي والفكري، إلى حلم ثالث كان ينوي تحقيقه في ساعات تفرّغٍ طوعيّ، أعني مباركته لولادة إذاعة "صوت الشعب" ورغبته الملحّة حينذاك للمساهمة في تطويرها بما تيسّر له من حب وتشجيع لنشوئها ولمسيرتها.
أيّها الشهيد الغالي: لقد سرتَ "مع القافلة" لسنواتٍ طوال، سرْتَ بصمتٍ وتواضعٍ ونكران الذات، وما تزحزحتَ من مكانك التاريخي المتألِّق ولا انحرفتَ عن خطِّك السليم المستقيم، ولا تنازلتَ عن كرامتك المصونة طيلة حياتك، وها أنت اليوم تسير "في القافلة": قافلةُ الشهداء اللامعةُ أسماؤهم في عالم المعرفة والثقافة والأدب والفكر والفلسفة في لبنان وفي العالم العربي. سبقك بعضُهم، والتحقَ آخرون إلى عالم الشهادة والخلود بعد أن خلّدوا فكرك وساروا على النهج ذاته.
طابَ اسمُك أيّها الشهيد المفكّر حسين مروة حيّاً دائماً وأبدا.
فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
هوَ ذا عام ينقضي.. فهل كان عامَ نكسةٍ عربية كلَّه، كما كان بعد حربِ الأيام الستة السودِ من حزيران؟...
عليْنا أن نحسبَ الآن، لنعرفَ حصيلةَ الحساب:
حقاً أننا واجهنا حينذاك عدواناً إسرائيليَّ الوجهِ واليدِ والراية، أميركيَّ الإرادةِ والخنجرِ والعتاد، إستعماريَّ القصدِ والهدفِ والتكتيك..!!
وحقاً أننا شربنا كأسَ الهزيمةِ حتى الثمالة في مواجهةِ هذا العدوان..!!