الطريق الفعلي للتغيير

"في إنتاج الناس الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات محدّدة، ضروريّة ومستقلّة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. ويشكل مجموع علاقات الإنتاج هذه البنيان الاقتصادي للمجتمع، أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وتتمشى معه أشكال اجتماعية. فأسلوب إنتاج الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام. ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم". (ماركس 1859)

تعالوا نطبق ذلك على وضعنا. ينتج اللبنانيون حياتهم وفق اقتصاد رأسمالي تابع، ريعي، يعتمد على أشكالٍ عديدة من الخدمات المالية والعقارية وعلى نمو حجم الودائع المصرفية الناجمة بشكل كبيرعن التدفقات المالية التي استفادت بشكل مباشر وغير مباشر من الثروة النفطية في البلدان العربية المجاورة. لذلك، وفق المُسلّمة أعلاه، دخلوا في علاقات إنتاج محددة، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، شكّلت البنيان لاقتصادي للمجتمع وأقاموا فوق هذا البنيان الصرح العلوي القانوني والسياسي الذي يتناسب معه. الطائفية، الفساد، المحاصصة، قلة الاخلاق،... هي وليدة علاقات الانتاج الشرعية لاقتصادنا الريعي التابع. إنها نتيجةٌ وليست سبباً. بدوره يقوم النظام الطائفي يقوم بتوزيع الريع، هل هنالك وسيلة أخرى غير عامودية لتوزيع أي ريع؟ الطائفية ليست خياراً إراديّاً للناس، إنها نتيجةٌ علمية وضرورية لنمط إنتاجهم. لايمكن اذاً أن يكون النظام الطائفي سبباً لأزماتنا كما يُخيّل للبعض، إنه كما أزماتنا وتشوهاتنا كلها، الفساد، التلوث، المحسوبية، الخيانة، الزواج المبكر، جرائم الشرف، العنف الأسري... نتيجةٌ لنمط وعلاقات إنتاج فرضها علينا الاستعمار وأدواته في الداخل والخارج خدمةً لمصالحه.

تفاقم الأزمة الاقتصادية مرتبطٌ بشكل أساسي بالصراع الدائر في المنطقة، ولكنه أيضاً ودون شك مرتبطٌ بشحّ الريوع النفطية نتيجة ازدياد عملية النهب الأميركية لمنابعها والاستثمار الدائم في الحروب على شعوب المنطقة. إن البدائل الاقتصادية المطروحة من الإصلاح الضريبي إلى الضرائب على المصارف وغيره من اقتراحات تحاول توزيع الريع بشكل عادل على الفئات الاجتماعية وتشكل بذلك حلّاً مقبولاً للمرحلة الانتقالية، ولكن لا يمكن أن تسهم في إرساء اقتصادٍ منتجٍ يكون الأساس في قيام علاقات إنتاج جديدة تمهّد لتغيير في الصرح العلوي القانوني والسياسي.

إن قيام إقتصاد منتج هو المدخل الفعلي للإصلاح الاقتصادي ويشكّل أيضاً المدخل لعملية التغيير السياسية والاجتماعية وإلّا نكون بصدد معالجة النتائج عوضاً عن السبب وذلك غير ممكن (راجع الاقتباس أعلاه).

وهل يمكن بناء اقتصاد منتج من دون التكامل، أقلّه اقتصادياً، مع دول وشعوب المنطقة؟ طبعاً ندخل هنا في المحظور والمحرّم، ولكن هل هنالك أيّ طرح سياسي جدي لا يعيد النظر بالقيود الوهمية التي زرعها الاستعمار في منطقتنا وعلى شعوبنا من أجل منعها من بناء مشروع جامع يؤمن مصالحها ويحفظ استقرارها وانماءها ويضعها على طريق التغييرالفعلي؟ بانتظار الجواب... لعلّ وعسى.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 357
`


النداء