انتخابات مختلفة في الكويت

على نحو مختلف عن أي انتخابات نيابية سابقة، ستجري في الكويت يوم السبت الخامس من ديسمبر/ كانون الأول انتخابات عضوية مجلس الأمة في فصله التشريعي السادس عشر، مع أن الانتخابات المقبلة هي الانتخابات النيابية الثامنة عشرة لمجلس الأمة الكويتي، حيث سبق إبطال انتخابات فصلين تشريعيين سابقين في العام 2012 ضمن الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد حينذاك، وهي الأزمة التي لا تزال تلقي بظلالها على الوضع الكويتي حتى يومنا هذا.


فرضت جائحة الكورونا والاشتراطات الصحية إغلاق الديوانيات وهي جزء من الموروث الشعبي الكويتي، حيث كانت تلتئم المئات من الديوانيات كل ليلة في مختلف مناطق البلاد كملتقيات اجتماعية تدور داخلها مناقشات حرة حول مختلف الشؤون، وتكون عادة محل اهتمام المرشحين في الانتخابات الذين يتناوبون على زيارتها للقاء بجمهور الناخبين، ولكن إغلاق الديوانيات أدّى إلى تغيير نمط التواصل بين المرشحين والناخبين، حيث تجري محاولات تعويضه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تويتر... كما فرضت الاشتراطات الصحية منع الندوات العامة والمقرات الانتخابية، ما اضطر المرشحين إلى استخدام الندوات الافتراضية عبر المنصات الإلكترونية، وهو الشكل الذي كانت الحركة التقدمية الكويتية من أوائل المبادرين إلى إقامته منذ شهر مارس/ آذار الماضي، قبل انتشاره الواسع، هذا إلى جانب اللقاءات التلفزيونية مع المرشحين، التي أصبح معظمها مدفوع الثمن كإعلانات مرتفعة الأسعار، بحيث أصبح من المتعذر على المرشحين من غير الأثرياء أو المدعومين دفع تكاليفها المتزايدة في بلد يفتقد وجود آلية قانونية تضع سقفاً للإنفاق الانتخابي.
ومن هنا فإن معركة الانتخابات النيابية الجارية في الكويت تختلف عن أي انتخابات سابقة من حيث تركيزها على الجانب الإعلامي كبديل عن اللقاءات الشخصية للمرشحين بالناخبين وزياراتهم للديوانيات وافتتاح المقرات الانتخابية وإقامة الندوات العامة.
وفي الوقت ذاته فقد يكون للجائحة والاشتراطات الصحية تأثيرها السلبي على نسبة المشاركة في التصويت، التي بلغت في الانتخابات النيابية الماضية عام 2016 نحو 70 في المئة من مجموع الناخبين.

أوّل انتخابات في العهد الجديد
وأمّا من حيث الظرف السياسي الذي يفرض نفسه على الانتخابات النيابية في الكويت، فهو انتقال السلطة من عهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد إلى عهد الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد... وفي بلد كالكويت تمثّل التركيبة العشائرية جزءاً مهماً من بنية السلطة، إلى جانب الاستقلالية الاقتصادية الواسعة نسبياً للسلطة في بلد ريعي نفطي تجاه المجتمع والنشاطات الاقتصادية غير النفطية، فإنّ تبدل شخصية رأس السلطة يمثل عنصراً بالغ التأثير والأهمية على مستوى الإدارة السياسية للدولة.
وبالطبع فإنّ الانتقال إلى عهدٍ جديد لا يعني الانتقال إلى نظام سياسي مختلف، ذلك أنّ الطبيعة للسلطة والمصالح الطبقية التي تمثلها وتوجهاتها الرئيسية وارتباطاتها لم تتغير وليست عرضة لتغيير كبير، ولكن في المقابل فإن الانتقال إلى عهد جديد يمكن أن يحمل في طياته تبدلات تتسع أو تضيق على مستويات أسلوب إدارة الدولة وتحالفات الحكم والتوجهات الحكومية وأولوياتها.
ومن بين ما يتوقع أن يطرأ عليه تغيير في العهد الجديد للحكم: تحريك ملف العفو عن المحكومين في القضايا السياسية، وعدم لفلفة قضايا الفساد، والتعاطي ايجابياً مع تغيير النظام الانتخابي في حال طرحه على مجلس الأمة المقبل، وهذه قضايا وعناوين مطروحة في المعركة الانتخابية الجارية.
أوضاع ضاغطة
ولأنّ الانتخابات لن تجري بمعزل عن تأثير الأوضاع المحيطة فإنه من المهم التوقف أمام أبرز الأوضاع الضاغطة التي سيكون لها تأثيرها بشكل أو بآخر على مزاج الناخبين واتجاهات تصويتهم، ولعل أهمها الأزمة الاقتصادية المالية المتصلة من جهة بأزمة النظام الرأسمالي العالمي، والمتصلة من جهة أخرى بانخفاض أسعار النفط، وبالتالي نقص الإيرادات وتنامي العجز في الميزانية العامة للدولة الذي يتوقع أن يصل إلى نحو 14 مليار دينار كويتي أي ما يعادل 45 مليار دولار أميركي، وهو عجز كبير وغير مسبوق، ويزيد من تأثيره تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد الكويتي مثلما هي الحال في معظم بلدان العالم، وهذا الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط سيؤدي بالضرورة إلى تقليص حجم الإنفاق الحكومي، وسيؤثر سلباً على حياة الناس نتيجة خفض بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية، ناهيك عن أن هناك جدلاً كبيراً يدور حول كيفية تمويل هذا العجز، وكان خيار الاقتراض عبر إصدار قانون الدين العام أحد أهم الخيارات المطروحة، ولكنه خيار محل خلاف واسع، وقد عجزت الحكومة عن تمرير مشروع قانونه على مجلس الأمة المنتهية ولايته، وقد لا يكون سهلاً تمريره على المجلس المقبل.
وفي السياق ذاته، فإنّ المعالجات المطروحة لعجز الميزانية تتمثل في تحميل العبء على كاهل الطبقات الشعبية عبر زيادة الرسوم على الخدمات واستحداث ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم وغير ذلك من بنود السياسات والإجراءات النيوليبرالية، ولكن الحكومة، مثلما اتضحّ خلال الأشهر الماضية، لا تمتلك الإرادة السياسية الكافية لإقرار مثل هذه السياسات وتنفيذ هكذا قرارات، خصوصاً في ظل حالة متنامية ومتسعة من الرفض الشعبي، وهي حالة كان للحركة التقدمية الكويتية الدور الأبرز في تشكيلها عبر بلورة نقاط الاعتراض على هذه السياسات وفضح طبيعتها الطبقية المنحازة لصالح كبار الرأسماليين والمعادية لمصالح أوسع الفئات الشعبية، وبالتالي تشكيل رأي عام شعبي معارض لها من خلال إقامة العديد من الندوات الافتراضية في وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات التلفزيونية والبيانات التي تصدرها الحركة وتنشرها الصحافة، وهو ما يقوم به على نحو ملموس مرشح الحركة التقدمية الكويتية في الدائرة الثالثة د. حمد الأنصاري، ومرشح التجمع العمالي في الدائرة الخامسة النقابي العمالي عباس عوض.
ولكن في مقابل كل هذه الاختلافات التي تتميز بها المعركة الانتخابية الجارية عن الدورات الانتخابية السابقة، فإن هناك عناصر وعوامل سلبية ستكون لها تأثيراتها بالغة السوء على مخرجات الانتخابات النيابية المقبلة بحيث تعيد انتاج الوضع النيابي السابق وتحد من إمكانية التغيير، ومن بين هذه العوامل سلسلة الانتخابات الفرعية التي شهدتها الدوائر الانتخابية ذات التكوين القبلي، على الرغم من كونها مخالفة للقانون، والدور الخطر الذي يلعبه المال السياسي في دعم العديد من المرشحين وشراء ذمم الناخبين، وقيام بعض المرشحين باستثارة النعرات الطائفية والعنصرية البغيضة، بالإضافة إلى استغلال بعض مرشحي الأحزاب الإسلامية للدين والمشاعر الدينية البريئة عند جمهور الناخبين سواء في محاربة خصومهم من العناصر المدنية من يساريين وليبراليين، أو لتحشيد الأصوات لمرشحي هذه الأحزاب.
باختصار، القاعدة العامة للانتخابات في الكويت هي أنه ليست هناك انتخابات تشبه الانتخابات التي سبقتها، لكن ما بالك إذا كانت هناك بالإضافة لتلك القاعدة العامة عوامل مستجدّة وعناصر ضاغطة وأوضاع مختلفة؟
* الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية