احتفاءً بنار الماضي

كان ذلك يوم الأربعاء 21 كانون الثاني عام 1959، حين صدرت "النداء" صحيفةً يومية، شكلاً، ومنبراً سياسيّاً وتحديًا في زمن العمل السريّ، تحايلت عليه ونجحت، وغدت حقل تجارب وتعلم في العلن.

مرّ في مكاتبها، في المزرعة، والوتوات وأخيراً وطى المصيطبة، كتابٌ وصحافيون ومصورون ومدققون وعاملون في المطبعة، انتشروا في المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية.

هنا سُمح للجميع أن يكتبوا، أن يعبروا، أن يختبروا حقلاً معرفياً ومهنياً. أتوا من جامعاتهم، من خنادقهم، من خلف أسلحتهم، ورتبوا الكلمات حتى مطلع الفجر. تسابقوا على بيع الجريدة، وتقاسموا صفحاتها كما غرفها، فكانت العمل والمنزل، كانت الرفاق والأهل والأصدقاء والمحطة الأولى.

لازمت عملها خلال الحرب، والكتابة تحت رصاص القناص تتطلب شجاعة وصلابة وقناعة فريدة، فيما تبعث المعارك حماسة وثباتاً لتقديم المزيد.

صدرت الصحيفة بجهد الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد فرج الله الحلو. وفي يومها، نعود إلى صفحات تاريخية من أرشيفها، إلى أسماء برزت وأخرى رحلت بسكوت، كما عاشت تماماً. نحاول تقديم سرد تاريخي سريع ومتواضع لمن أشعلوا ناراً ثقافية وصحافية نحتفي بها اليوم. وإن كنا نحاول، جاهدين، تطوير وتقديم محتوى جديد، فما هذا سوى واجب علينا تجاه من سبقونا ومن سيأتون بعدنا.

نقدّم هذا العدد الخاص الذي يضمّ أسماءً انطلقت من "النداء" ولم تتوانَ في تقديم المساعدة والتحية في عيدها، بترحيب مجبول بابتسامة وحنين. وندرك أنه لضيق الوقت وضعف القدرة، سقطت منا محطات وأسماء كان لها حضورها في تاريخ الصحيفة والمجلة.

إلى جميع من ساهم منذ 63 عاماً في "النداء" ألفُ تحية وشكر.