تسعة أشهر على التكليف ليأتي بعدها الاعتذار دليلاً إضافياً على عجز المنظومة السلطوية بأطرافها كافة عن التحكم بأزمة نظامها وتناقضاته. ويترافق هذا العجز مع فوضى وإجرام في طريقة ادارة الانهيار ومحاولة كسب الوقت بشتى الطرق والوسائل، للتغطية على فشل سياساتها والتهرّب من دفع الثمن عما اقترفته أيديها بحق شعبها.
لقد وصل الانهيار الشامل إلى مستوى خطير وغير مسبوق بعدما أخضعت المنظومة الحاكمة البلد الى أكبر عملية نهب اجتماعي وطبقي منظّم، سطت فيه على مستقبل شعبه وأطاحت بمقومات وجوده وعاثت فيه فساداً ومحاصصة وتبعيةً لقوى الوصاية الدولية والإقليمية وهو ما تتحمّل مسؤوليته المباشرة هذه المنظومة التي حكمت لبنان منذ ثلاثين عاماً.
هو مشهد أقل ما يُقال فيه أنه مخزي: عجز متأصل في إدارة شؤون البلاد، منظومة الفشل كشفت لبنان ووضعته امام مخاطر تصاعد التدخلات الخارجية عبر ما تطرحه الأخيرة من مشاريع ومؤتمرات وارسال بعثات دولية للبنان تحت غطاء المساعدات "الانسانية"، وهي التي قامت بتمويل فساد المنظومة الحاكمة في مؤتمرات باريس الأربعة ودعم نظامها المتهالك على حساب شعبنا في حين لم تكشف حتى الآن عن صور الأقمار الاصطناعية لانفجار المرفأ رغم مرور سنة على حصول جريمة العصر الكبرى.
سفراء يصولون ويجولون في الداخل والخارج ضاربين بعرض الحائط كل الأعراف والتقاليد، وبعضهم يعلم، وخاصةً الأميركيون، حجم الأموال المنهوبة والمهرّبة وحسابات أصحابها ولا يكشفونها لأن هدفهم ليس مساعدة اللبنانيين واسترجاع اموالهم، بل ترسيخ وصايتهم وفرض الشروط السياسية المتعلقة بصفقة القرن وترسيم الحدود مع العدو الصهيوني وحقول الغاز.
إن التعاطي السياسي للقوى الحاكمة مع تداعيات الانهيار الاقتصادي والمالي، الذي انقضى ٢١ شهراً على بدايته، لم يتمخًض سوى عن عجز وتآمر، وإلقاء أوزار الانهيار على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مقابل تهريب منظّم للدولارات لمصلحة كبار السياسيين ومالكي المصارف ورؤوس الأموال عبر المصرف المركزي والمصارف إلى الخارج وتهريب للسلع المدعومة والمحروقات عبر الحدود من خلال شبكات منظّمة.
ومع رفع الدعم وانهيار الليرة واستفحال الغلاء وتبخًر القوة الشرائية للعمال والاجراء والفئات المتوسطة، ومع تفكًك انظمة التأمينات الصحية والحماية الاجتماعية على ابواب موجة جديدة لوباء كورونا المتحوّر، يكون الحكام قد أورثوا اللبنانيين، وبخاصة العمال والشباب والشابات والفئات الفقيرة والمتوسطة، المعاناة والعوز والجوع والهجرة وأقسى مشاعر الخوف والقلق تجاه المستقبل.
وفي مواجهة هذا النظام وحكًامه، يجب ورفع الصوت عاليا بوجههمً: لم تعد معالجاتكم ووصفاتكم الترقيعية المجتزأة تجدي نفعاً، نظامكم بات في حالة موت سريري، ويجري استخدامه وهو في أسوأ حالات ضعفه وانهياره، ورقةٍ للمساومات على طاولة المفاوضات الدائرة اليوم على مستوى الاقليم.
لم يعد من خيار أمام اللبنانيين سوى الإطاحة بهذا النظام وقواه الحاكمة ومنظومته السياسية المالية الأمنية البائدة، وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية. إنّ المحاولة المفضوحة لقوى النظام لوقف وإعاقة التحقيقات عبر عدم رفع الحصانات في جريمة انفجار المرفأ، والتغطية على القادة السياسيين والأمنيين المدّعى عليهم، تحت حجج واهية، وأخرها فضيحة العريضة الموقّعة من نواب ينتمون لعدة كتل لتحويل القضية إلى "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، غير الموجود أصلاً، وإن جرى تشكيله، فكيف لمنظومة متهمة ان تحاكم نفسها بنفسها؟ انها عريضة الفرار من وجه العدالة، بما يثبت الاتهام السياسي المباشر للقيادات السياسية والأمنية لجهة مسؤوليتها المباشرة في التقصير والإهمال في هذه الجريمة المروّعة.
إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، واستناداً على ما تقدّم، تتوجّه بالقول:
إلى منظومة السلطة: أنتم المسؤولون مباشرة عن الجريمة الوطنية الكبرى التي حلّت باللبنانيين وعليكم تحمّل المسؤولية ودفع الثمن. لقد هجّرتم وقتلتم وجوعتم وأفقرتم الناس: نظامكم سقط والمطلوب دفنه، ومصيركم السقوط والمحاسبة، لا البقاء بالحكم وتوارثه من الجد، إلى الابن، إلى الحفيد...
إلى شعبنا اللبناني: تستحق الأفضل لأنك الثائر على الجوع والمرض والعوز، فأنت المدافع عن الكرامة الوطنية التي أهدرتها سلطة التسكع على أبواب السفارات. تستحق الصحة والتعليم والعمل والسكن والتنمية. ويستحقّ العمال والفلاحون والأجراء وكافة الفئات المحرومة، حياةّ كريمة عادلة في وطنهم الذين دافعوا عنه وقاوموا واستشهدوا وحرّروه وانتفضوا ضد حكّامه: فإلى تنظيم الصفوف في كل مكان، في أماكن العمل والقرى وساحات المدن والأحياء عبر لجان شعبية، وفي التحالف الاجتماعي والهيئات النقابية والقطاعية والبلدية، تصعيدا للمواجهة مع هذا النظام السياسي وأزلامه وسياساته.
إلى سفراء الفتنة ومبعوثيهم: أنتم من دعمتم هذه المنظومة وقواها المذهبية وجعلتم لكلّ دولة منكم حزباً تابعاً لها، أنتم من توليتم الوصاية على نظامنا السياسي منذ مئة عام ويزيد: كفّوا عن دعم هذا النظام وتلميع صورته والتدخل في شؤون لبنان الداخلية وممارسة التحريض وتعميق الانقسامات ودعم الاتباع وتمويلهم.
إلى قوى التغيير: المواجهة مفتوحة والسلطة على سلاحها، فلنحسم خيارنا وليكن إطلاق الائتلاف السياسي باكورة تصعيد المواجهة وطرح البديل وتوحيد الصفوف لتعديل موازين القوى وتحقيق اهداف انتفاضة شعبنا في التغيير.
إلى الرفاق الشيوعيين نقول: طوال ما يقارب القرن من الزمن وأنتم في ميادين الصراع وساحاته؛ وعيتم قضاياكم الوطنية والطبقية وقاتلتم من أجلها. لقد كان لكم في كل موقعة دوراً مشرفاً طليعياً، وكذلك سيكون اليوم. فلننتظم خلف قضايا شعبنا ونتقدم الصفوف على رأس المواجهة المفتوحة ضد التحالف السلطوي - المالي. لم يعد أمام شعبنا ما يخسره، فإلى تصعيد المواجهة في بيروت والمناطق والساحات، لفرض رحيل هذه المنظومة عن كل مواقعها:
إلى اطلاق التحركات الشعبية الواسعة، ودعوة الشعب اللبناني الى النزول الى الشوارع والساحات وتسيير التظاهرات وفي كل المناطق اللبنانية وتحت شعار " رفع الحصانات والمحاسبة ورحيل المنظومة الحاكمة"، على ان تتوّج هذه التحركات المناطقية في يوم 4 آب في بيروت احياءً لهذه الذكرى وكي تكون يوماً وطنياً للعدالة والمحاسبة.
الى التحرك امام مؤسسات السلطات التنفيذية والتشريعية، رموز نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية من القصر الجمهوري والقصر الحكومي ومجلس النواب، إلى الوزارات والإدارات وقصور العدل وسراي المناطق والمؤسسات العامة، ومعها المصارف ومراكز الاحتكارات وكارتيلات الدواء والغذاء والمحروقات، والضغط على ممثليها أينما وجدوا أكانوا في أحزاب سلطوية أو في مراكز ادارية وقضائية وبلدية ونقابية.
ولنعمل على انزال العقاب ضد هذه المنظومة التي نالت من كرامة شعبنا، ولتتوسع دائرة المواجهة في كل الاستحقاقات المقبلة على غرار ما حصل في انتخابات نقابة المحامين والمجالس الطلابية ونقابة المهندسين التي وجّهت صفعة مستحقّة لكل أحزاب السلطة، فكان لهم من انتفاضة شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية كل التحية والتقدير.
بيروت في 22/7/2021
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني