اتفاقية ترسيم الحدود البحرية : انتصار تاريخي أو إذعان نحو التطبيع - قراءة قانونية سياسية

أثبت المسار التاريخي أنّ الصراع مع العدو الإسرائيلي تحكمه سياسة الحديد والنار، وما كان الرهان يوما على المؤسسات الدولية لحماية استقلال وثروات لبنان وإعادة أراضيه المحتلة. ولكن وبذهاب السلطة السياسية للموافقة على هكذا اتفاق، فإننا سنقارب هذا الموضوع من خلال قراءة أبعاده القانونية عبر البحث بتعريف ترسيم الحدود وتبيان المسار اللبناني ومخالفاته، ثم سنعمد إلى تفنيد بنود الاتفاقية ومخاطرها لنتوصّل أخيرا إلى تحديد آلية التصديق عليها.

يوم الخميس الثالث عشر من تشرين الأول ٢٠٢٢، "زفّ" رئيس الجمهورية للبنانيين خبرا أعلن فيه على الملأ موافقة لبنان على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" بوساطة المفاوض الأميركي-الإسرائيلي.
جاء هذا الإعلان على الرغم من مخالفته أحكام الدستور التي تُلزم عرض الاتفاقية على المؤسسات الدستوية ومنها المجلس النيابي لأخذ موافقته وفقا لاحكام المادة 52 من الدستور. كما أعلن الموافقة دون اطلاع الشعب اللبناني ومؤسساته على مندرجات اتفاق سيوقّع مع عدو لا حدود لأطماعه وإجرامه . لا بل إنّ هذه الموافقة جاءت بعد أن علم الشعب اللبناني والمؤسسات الدستورية ببنود هذا الاتفاق ومندرجاته عبر تسريب من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبقي سريا من قبل السلطات اللبنانية، وقد حُجب حتى عن أعضاء المجلس النيابي وإن كان رئيسه أصدر تعليمات خجولة لأمانة السر بتوزيعها على الأعضاء إلا أنه ولتاريخ كتابة هذه السطور لم يكن قد تم التوزيع أو النشر.
يشكّل هذا الاتفاق مدار سجال سياسي، قانوني، سيادي في البلاد حول ما إذا كان من الممكن اعتباره انتصارا فعليا للبنان بشكل يتمّ الحفاظ فيه على حقوق هذا البلد وثرواته، أم ينطوي على تنازلات عن حق سيادي، كما أنّ الاتفاق موضع جدل حول مركزه القانوني وإذا ما كان اتفاقية او مجرد رسالة، بعبارة أخرى هل هو اتفاق بين الأقوياء أم هوعقد إذعان أقدمت عليه السلطة اللبنانية بناء على الضغوط والإملاءات الخارجية بغية تجديد نظامها وتأمين مورد رزق بعدما نهبت المال العام، كالعادة تسعى السلطة السياسية لإيهام الشعب اللبناني، بقوتها وحرصها على السيادة، مصنّفة هذا الاتفاق بمثابة الانتصار، وعلى الشعب اللبناني شكرها على إنجازها الجديد، فهل هذا الأمر صحيحا وفق بنود ومندرجات الاتفاق/الاتفاقية؟
أثبت المسار التاريخي أنّ الصراع مع العدو الإسرائيلي تحكمه سياسة الحديد والنار، وما كان الرهان يوما على المؤسسات الدولية لحماية استقلال وثروات لبنان وإعادة أراضيه المحتلة. ولكن وبذهاب السلطة السياسية للموافقة على هكذا اتفاق، فإننا سنقارب هذا الموضوع من خلال قراءة أبعاده القانونية عبر البحث بتعريف ترسيم الحدود وتبيان المسار اللبناني ومخالفاته، ثم سنعمد إلى تفنيد بنود الاتفاقية ومخاطرها لنتوصّل أخيرا إلى تحديد آلية التصديق عليها.

1- تعريف ترسيم الحدود


وفقا لقاموس مصطلحات القانون الدولي، الحدود البحرية هي الخطّ الذي يحدد بداية الأقاليم التي تعود لدولتين متجاورتين ونهايتها أي الخط الذي يفصل بين إقليمين يقعان تحت سيادتين مختلفتين.
يتغير الدور الذي تلعبه الحدود حسب المناطق والعصور، كما هنالك العديد من العوامل التي تحدّد ترسيم الحدود منها: ميزان القوى السائد بين الدول لحظة الترسيم، وإرادة الشعوب، لارتباط الترسيم بمجموعة بشريّة لها علاقة بكيان ووحدة سياسيّة، وأخيراً العوامل الجغرافيّة.
عموما تُقسم عمليّة ترسيم الحدود إلى ثلاث مراحل:
- الأولى: تعيين الحدود وهي عمليّة سياسيّة قانونيّة تثبّت الحيّز المكانيّ لسلطة الدولة.
- الثاني : تعيين الخطّ الحدودي وهي عمليّة تقنيّة تحدّد الحدود على الخرائط.
- الثالث والأخير: هو التحديد أي العمليّة التي تحدّد الحدود على الأرض.
لذلك فإنّ تحديد الحدود يلزم الدولة حاضراً ومستقبلاً، وقد نصّت محكمة العدل الدوليّة أنّ تحديد الحدود يعني الوصول إلى اتّفاق مستقرّ ونهائي.
وفيما يخصُّ ترسيم الحدود البحرية فهو يعني وضع الحدود بين منطقتين بحريتين متشاطئتين، ويتعلّق بالمياه الإقليمية والجرف القاري، والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة وهذا التحديد عادة نتيجة لمفاوضات بين الدول المعنيّة، تخضع لأنظمة القانون الدوليّ للبحار (وفقا لاتّفاقيّة الأمم المتحدة سنة 1982)، وفي حال النزاع فإنّ تحديد الحدود يعود إلى محكمة تحكيم إذا قبلت الأطراف المتنازعة بذلك، أو إلى محكمة قانون البحار، أو إلى محكمة العدل الدولية.

2- المسار اللبناني في ترسيم الحدود، ومخالفاته:


أقرّت الأمم المتحدة اتفاقية قانون البحار عام 1982، واستندت أكثرية الدول إليه في حلّ نزاعاتها على الحدود البحرية، إما بإحالته على المحكمة الدولية لقانون البحار، أو إحالته إلى محكمة العدل الدولية، أو إخضاعه لإجراءات التحكيم الدولي الملزم، أو إخضاعه لهيئات التحكيم الخاص، مع الاستعانة بالخبرة لحل المسائل التي تقتضي ذلك.
رغم ذلك، استمرّت "إسرائيل" في رفض تسوية نزاعها البحري مع لبنان وفق قانون البحار أو باللجوء إلى التحكيم الدولي، معتمدة أطر الحل غير القضائي، مصرّة على إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين وبوساطة أميركية منحازة بالكامل للعدو الصهيوني، وذلك لإجبار الجانب اللبناني على الجلوس معها مباشرة إذا أراد البدء بالتنقيب عن الغاز في مياهه الإقليمية.
ويبدو أنّ مطلب العدوّ الإسرائيلي هذا ينبع من ضعف الحجة القانونية فيما يخص المطالبة بالقطاع (بلوك) رقم 9 مقابل السواحل اللبنانية، التي تسقط أمام أي مرافعة قانونية دولية، في حين أنّ حجة لبنان في ترسيم حدوده قوية لأنها تستند إلى قانون البحار.
تبلورت خيارات "إسرائيل" بخصوص النزاع على الحدود البحرية مع لبنان إلى وجود ثلاث طرق لحل النزاع: مفاوضات بوساطة طرف ثالث، أو التحكيم الذي تقوم به محكمة أو مؤسسة دولية وفق قانون البحار، أو التوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. إلا أنّ "إسرائيل" تمسكت بالخيار الأول حصرا؛ أي المفاوضات المباشرة بوساطة طرف ثالث؛ وذلك للأسباب التالية:
- أولًا، يُحدد الطرفان مرجعية المفاوضات وأطرها، ومن منطلق "العقد شريعة المتعاقدين" يتم تحييد قواعد القانون الدولي مما يمنح "إسرائيل" حق الاعتراض "الفيتو"، وبما يمكّنها من طرح أي اقتراحات لا تتماشى بالضرورة، أو تتناقض حتى مع القانون الدولي.
- ثانيًا، تسمح هذه المفاوضات بالوصول إلى حلول لصالح "إسرائيل" بشأن المنطقة البحرية المتنازع عليها، بدلًا من إمكانية صدور أحكام لن تكون لصالحها من قبل جهات قانونية دولية.
مع التأكيد أن حجّة "إسرائيل" في ترسيمها للحدود المتنازع عليها مع لبنان ضعيفة من الناحيتين القانونية والتقنية، بينما الموقف اللبناني المستند إلى خرائط ووثائق ثابتة يعدّ أقوى من الموقف "الإسرائيلي".
إلا أنه تبين رضوخ لبنان للمطلب "الإسرائيلي" للأسباب التالية:
أولا: التزم الجانب اللبناني بمعالجة النزاع البحري مع الجانب "الإسرائيلي" بمفاوضات "غير مباشرة" تدار من قبل طرف ثالث، الولايات المتحدة الأمريكية ، أي عبر وسيط غير حيادي.
ثانيا: الوسيط المكلف "عاموس هوكشتاين" هو "اسرائيلي"، خدم في جيش كيان الاحتلال "االإسرائيلي" ولعب أدوارا متعددة لمصلحة الكيان، وهو ما يُزيل عنه الصفة الحيادية.
ثالثا: عدم التزام الجانب اللبناني بتوصيات المرجعية العلمية المكلّفة بتحديد خط الحدود، فبعدما أولت القوانين اللبنانية "مصلحة الهيدروغرافيا" في الجيش اللبناني مهمة إعداد الخرائط التقنية البحرية وإعداد الدراسات اللازمة من أجل ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار، كلّفت السلطة اللبنانية الجيش اللبناني بالمهمة التقنية في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل"، إلا أنّ السلطة رفضت الالتزام بما تم اقتراحه، خاصة فيما يتعلق بالخط 29.
رابعا: بتاريخ27/12/2019 قدّم وزير الدفاع آنذاك، النائب الياس أبو صعب، كتابا إلى السلطة التنفيذية يقرّ فيه بتوافر معطيات جديدة تتعلق بالحدود البحرية، طالبا اجراء مسح جديد لخط الأساس في الناقورة من قبل "مصلحة الهيدروغرافيا" في الجيش اللبناني، إلا أنّه عدل عن هذا الطرح بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بمتابعة موضوع ملف ترسيم الحدود البحرية مع الوسيط الأمريكي .
خامسا: على الرغم من إصدار رئاسة الجمهورية، كسلطة تنفيذية، بيانا بتاريخ 13 تشرين الأول 2020 تطلب فيه من الوفد التقني المكلّف بالتفاوض غير المباشر بدء المفاوضات على أساس الخطّ الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برّاً، وهي النقطة التي نصّت عليها اتّفاقية بوليه – نيوكومب عام 1923، أي الخط 29، وِفْقاً لدراسة أعدًتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي، إلا أنها عادت وتنازلت عنه وأقرّت بالحدود انطلاقا من الخط 23، دون تبيان التبريرات القانونية لذلك، لا بل تعنّتت برفضها أن تعيد للبنان حقَّه بـ 1430 كلم2 في العمق برفضها تعديل المرسوم 6433/2011 واعتماد الخط ٢٩، الذي هو الخط القانوني المُحِقّ والمُثبَت بالمستندات والقوانين الدولية المكرِّسة للأعراف الدولية وحسن النية لا سيما أحكام المواد ١٥ و٧٤ و٨٣ من اتفاقية قانون البحار، موهمة الشعب اللبناني بتمسكها بالخط 29 كورقة ضاغطة في المفاوضات وبأنه سيتم استخدامها في الوقت المناسب في وجه العدو، وهو ما لم يحصل. وبتخليها عن الخط 29 ترتكب السلطة الجرائم المنصوص عنها في المادتين 302 و277 من قانون العقوبات اللبناني.
سادسا: بدأ الخلل من اتفاق الإطار الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب بتاريخ 30/9/2020، لإطلاق مفاوضات مباشرة بين لبنان و"إسرائيل" لترسيم الحدود البحرية والبرية بينهما بوساطة أميركية، ويتمثل ذلك بما يلي:
أ‌- لا يوجد ربط ملزم بين المسارين البري والبحري.
ب‌- لا يوجد إطار زمني للمفاوضات.
ت‌- لا يشير الاتفاق إلى أي مرجعية لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مثل قانون البحار لعام 1982، ما يجعلها خاضعة كليًا لموازين القوى والضغوط التي يمكن ممارستها على لبنان.
ث‌- لا يطرح الاتفاق أي بدائل في حال فشلت المفاوضات بين الطرفين، كالاتفاق على التوجه إلى التحكيم الدولي.
ج‌- اتفاقية الإطار يجب أن تكون مكتوبة وموقعة من قبل جهة دستورية وهوما لم يتم ذكره فيما سبق.

3- في بنود الاتفاقية ومخاطرها:


بداية من الواضح أنّ هذه الاتفاقية، وفق الصيغة المطروحة بناء على النسخة المسربة، سيتم توقيعها بين سلطتين دستوريتين في بلدين وهي بين "الجمهورية اللبنانية" و"دولة إسرائيل"، أما مندرجاتها وبنودها فهي على الشكل التالي:
أ‌- السلطة اللبنانية ترضخ لمطالب العدو وتتنازل عن مساحة تقدّر بحوالي 1430 كلم2 :
ورد في الفقرة "ب" من القسم الأول ما يلي: "....يتفق الطرفان على إبقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي وعلى النحو المحدَّد بواسطته"، وهذا يعني رضوخ لبنان للمطلب "الإسرائيلي" بالتنازل عن جزء من أراضيه وثرواته، بشكل فادح ومخالف لما طلبته قيادة الجيش (كمرجعية علمية) هذا بالإضافة إلى توصيات الخبراء المعنيين، رافضة توقيع التعديل المقترح للمرسوم 6433/2011 وإيداعه لدى الأمم المتحدة منعا لإحراج الطرف "الإسرائيلي"، كما أقرّت باعتبار منطقة "الطفافات" منطقة امنية بامتيازات لصالح العدو الإسرائيلي وموافقة على إبقائها تحت احتلاله مع إعطائة حرية دخول مراكبه العسكرية إليها كما هو الحال الان.
ولتبيان حجم التنازل اللبناني عن أراضيه وما فيها من ثروات طبيعية، نكتفي بالإشارة إلى ما نشره العميد المتقاعد بسام ياسين رئيس الوفد العسكري المفاوض سابقا بحرفية مطلقة: "يعطي هذا الإتفاق 20% للبنان و 80% للعدو من المنطقة المتنازع عليها وفقا للقانون الدولي وهي المساحة الواقعة بين خط هوف والخط 29 والبالغة 1800 كلم مربع، وفي حال الإنصاف يجب أن يحصل لبنان على 80% والعدو على 20% منها كون الحجج القانونية للخط ٢٩ والموجودة عند كافة المسؤولين اللبنانين هي أقوى بكثير من حجج خط هوف، ولو حصل لبنان على نصف هذه المساحة بإعطاء نصف تأثير لصخرة تخيلت لكان حصل على 500 كلم مربع إضافية جنوب الخط 23، ولكان حقل قانا بكامله تحت السيادة اللبنانية ولكنا نستطيع استخراج النفط والغاز من هذا الحقل دون أي شروط إسرائيلية، على عكس ما هو حاصل اليوم وفقا للنص المكتوب في هذا الاتفاق".

ب‌- الاتفاق نهائي وغير مؤقت ويمنع اللبنانيون من إعادة النظر بحدودهم المقررة بموجب هذه الاتفاقية:
ورد في الفقرة "د" من القسم الأول ما يلي: "لا يجوز أن يقدّم أي من الطرفين مستقبلا إلى الأمم المتحدة أي مذكرة تتضمن خرائط او إحداثيات تتعارض مع هذا الاتفاق ما لم يتفق الطرفان على مضمون هذه المذكرة" وهذا يمنع الدولة اللبنانية من إعادة النظر أو حتى النقاش في حدودها البحرية مع فلسطين المحتلة واعتبار الحدود المرسّمة بموجب هذا الاتفاق هي حدود نهائية مع الكيان، وكذلك يوجد شرط ينصّ على أنّ أي تعديل محتمل للحدود مستقبلا سيبقى مرهونا بموافقة الطرف "الإسرائيلي" عليه، وهو أمر خطير يتوافق مع طموحات العدو الإسرائيلي. هذا العدو الذي وعلى ما يبدو فإنه يخشى حدوث م أي تغيير مستقبلي في السلطة اللبنانية قد يؤدي إلى إعادة طرح تغييرات على هذه الحدود المفترضة وهذا ما يؤكد أنه اتفاق نهائي وليس مؤقت.
كما أقرّت السلطة اللبنانية في الفقرة "ه" من القسم الأول، أنّ هذا الاتفاق هو الأنجع والأكثر إنصافا ويشكل حلّا دائما للنزاع البحري القائم ، وبذلك تعتبر أنّ أي تغيير أو تعديل فيه سيكون غير منصف، وهو ما يؤكد ثقة الاحتلال الإسرائيلي بالطرف الاخر، أي السلطة اللبنانية، وتأكده من أنّ ما حصل عليه في هذا الاتفاق مع هذه السلطة لن يحصل عليه مع طرف آخر فيما لو قد حصل تغيير في هذا الطاقم السلطوي . وقد أثبتت مجريات تحديد الحدود خطورة ذلك، كما أنّ إيراد عبارة " الإنصاف" في متن الاتفاق ليتطابق مع شروط المادة 59 من قانون البحار الذي يلزم أن تكون الاتفاقات الثنائية لحل النزاعات منصفة، يقطع الطريق مستقبلا، على الدولة اللبنانية لطرح إعادة ترسيم حدودها البحرية.

ج‌- وجوب أن تحظى الشركة المشغّلة على موافقة ورضى "إسرائيل" (منحها حق الفيتو):
يتّضح من الفقرة "أ" من القسم الثاني اعتماد صيغة "المكمن المحتمل" للحقول المتنازع عليها، ولم يرد أي من التسميات التي أوردتها السلطة سواء لحقل قانا أو لحقل كاريش.
في الفقرة "ب" من القسم الثاني ورد "يتعين أن تجري أنشطة التنقيب في المكمن المحتمل... على أن تُراعى القوانين والأنظمة المعمول بها"، دون أي تحديد أو إشارة لطبيعة هذه القوانين والأنظمة.
في الفقرة "ج" من القسم الثاني، أعطي حق الفيتو للإسرائيلي، ومن خلفه الأميركي، حول طبيعة وشخصية الشركة المشغلة للحقل، حيث سُمح "لإسرائيل" أن تحدد إذا ما كانت، الشركة، "ذو سمعة طيبة" دون تحديد مفهوم "السمعة الطيبة" التي تبقى خاضعة للأهواء والمصالح والأطماع الإسرائيلية.
كما اشتُرط أن تكون شركة دولية وغير خاضعة لعقوبات دولية، ومن المعروف أن لبنان ليس بمؤهّل لفرض مثل تلك العقوبات، بل الدولة الراعية للاتفاق أي الولايات المتحدة، وعادة تفرض العقوبات لمصلحة "إسرائيل" وليس لمصلحة لبنان حكما، وهذا يعتبر من بنود عقود الإذعان وليس لصالح الدولة الأضعف في الاتفاق، وهو شرط حالي ومستقبلي.

ح‌- إشراف "إسرائيلي" مباشر ومسبق على الشركة المشغّلة لحساب لبنان وإعطائها حق الاعتراض:
نصت الفقرة "د" من القسم الثاني على : "... لن تعترض "إسرائيل" على الأنشطة المعقولة والضرورية، مثل المناورات الملاحية التي يقوم بها مشغّل البلوك 9 (أي شركة توتال حاليا) ما دامت هذه الأنشطة تحصل مع توجيه إشعار مسبق من مشغل البلوك 9 إلى "إسرائيل".
منح الاتفاق "إسرائيل" صلاحية الاعتراض على أنشطة الشركة المشغّلة لحساب لبنان، دون تحديد الشروط والقيود والآليات، وبقي الأمر لديها لتحديد إذا ما كانت الأنشطة معقولة وضرورية وهذا يعني مراقبة دائمة من "إسرائيل" للأنشطة واشتراط موافقتها عليها بمطلق الصلاحية. (وإذا ما وافقت أو عرقلت سيتم اللجوء إلى أمريكا للمعالجة)، وهو ما يعني التواصل الدائم والروتيني بين المشغل والبحرية "الإسرائيلية" وهو أمر تم اشتراطه مسبقا عبر إرسال إشعار مسبق من الشركة إلى "إسرائيل"، أي رقابة مسبقة على الأعمال الخاصة بلبنان، ما يشكّل تنازلا عن السيادة.

خ‌- استخراج النفط والغاز من حقل قانا رهن الموافقة "الإسرائيلية" وحسن نيتها ومنحها حق إفشال الاتفاق والتنقيب في القسم الجنوبي من حقل قانا:
ورد في الفقرة "هـ"القسم الثاني ما يلي: "تخوض الشركة المشغّلة و"إسرائيل" نقاشات لتحصل بموجبها الأخيرة على تعويض عن أي مخزونات محتملة "المكمن المحتمل"، وسيعقدون اتفاقية مالية قبييل الاستثمار النهائي، ويتعين على "إسرائيل" العمل بحسن نية مع المشغّل".
هذا يعني بكل وضوح أنّ عملية استخراج لبنان للنفط والغاز ستبقى مرهونة بالاتفاق المالي بين "إسرائيل" والمشغّل (أي الشركة)، الذي سيتم بموجبه تحديد "حقوق" "إسرائيل" الاقتصادية في "المكمن المحتمل" للبنان. وهذا يعني أنّ بدء التنقيب والاستثمار النهائي في الجانب اللبناني سيبقى رهن إشارة الموافقة "الإسرائيلية"، مع كل ما يعنيه ذلك من تعنت وتخريب "إسرائيلي". إذا ، يربط هذا الاتفاق بشكل مباشر مصالح لبنان ب"حسن نية" عدوه الأكبر. أما في حال حدوث اي إبتزاز "إسرائيلي"، فيجب على الطرف اللبناني مراجعة الولايات المتحدة بصفتها طرف محايد.
كما ورد في الفقرة "و" من القسم ذاته "أنّ "إسرائيل" لن تعترض على أي أنشطة ترمي إلى تطوير "المكمن المحتمل" أو تتخذ أي إجراءات من شأنها تأخير تنفيذ الأنشطة دون مسوّغ"، وبالتالي فقد منحت إسرائيل أيضا حق الاعتراض على الأنشطة التي ترمي إلى تطوير "المكمن المحتمل" أو تتخذ إجراءات من شأنها تأخير التنفيذ بمجرد حيازتها لمسوّغ ،علما أنه لم يتم تحديد ماهية هذا المسوّغ والمرجعية بتحديد إذا ما كان شرعيا أم لا، كما لم يتم تحديد ماهية الإجراءات التي ممكن أن تلجأ إليها "إسرائيل" لتوقيف هذه الأعمال.
وأيضا، في الفقرة "ز" من القسم نفسه جاء ما يلي: "في حال كان الحفر في "المكمن المحتمل" ضروريًا جنوب خط الحدود البحرية، فيتوقع الطرفان من مشغل البلوك رقم 9 طلب موافقة الطرفين قبل المباشرة بالحفر؛ ولن تمتنع "إسرائيل" دون مبرر، عن منح موافقتها على الحفر الجاري وفقًا لأحكام هذا الاتفاق"، بمعنى إذا تبين ضرورة الحفر جنوب خط الحدود البحرية فيما خص بلوك لبنان، على الأخير أخذ موافقة "اسرائيل" التي منحت حق إلزامه بإيقاف الحفر في حال كان لديها مبررا لذلك دون تحديد ماهيته، ودون إعطاء ذات الحق نفسه للطرف اللبناني.

د‌- الولايات المتحدة الأميركية مشرفة بشكل مباشر على الأمن الاقتصادي النفطي اللبناني:
نصت الفقرة "أ" من القسم الثالث على أنّه "في حال تمّ تحديد مواد من الممكن الاستثمار فيها خارج المكمن، وتم سحبها أو خفض مخزونها يلجأ الطرفان إلى الولايات المتحدة بغرض التوصّل إلى تفاهم حول منح الحقوق والطريقة التي يمكن فيها التنقيب عن أي تراكمات أو مخزونات وتطويرها بأعلى قدر من الفعالية لتسيير الأمور بين الطرفين"، أي رهن الأمر بمساعي الولايات المتحدة.
كما ورد في الفقرة "ب" أنّه "يتعيّن على الطرفين مشاركة البيانات ذات الصلة بالموارد الموجودة كافة في الجهة المقابلة من خط الحدود البحرية، المعروفة حاليًا وتلك التي قد يتم تحديدها لاحقًا، مع الولايات المتحدة والتي ستشاركها مع الطرفين" وهو ما يؤكد السيطرة الأميركية والإشراف الدائم، وهو ما يُلزم الطرفان أيضا بتقديم تقارير دورية إليها ومشاركتها بجميع البيانات ذات الصلة بكافة الموارد الموجودة حاليا أو التي قد يتم تحديدها لاحقا مع التأكيد على ضرورة تبادل ومشاركة هذه البيانات بين الطرفين عبر أمريكا. وهو ما طُرح بصيغة أنّ الطرفين يدركان أنّ الأخيرة تعتزم ذلك، أي منح السلطة اللبنانية مطلق ثقتها للولايات المتحدة لحسن إدارة مفاعيل الاتفاق، وإن لم تفعل فلا مرجعية للمراجعة.
ويختم القسم الثالث في الفقرة "د" عن إدراك الطرفين الموقعين على الاتفاقية أنّ حكومة الولايات المتحدة تعتزم بذل قصارى جهودها ومساعيها لتسهيل الأنشطة الفورية والسريعة التي يقوم بها لبنان، دون أي تطرق للأنشطة التي تقوم بها " إسرائيل" التي لها الحرية المطلقة بكل شيء وبمباركة أميركية.

ذ‌- الولايات المتحدة الأميركية هي المرجع التحكيمي الوحيد الصالح لتطبيق بنود الاتفاقية وتفسيرها:
ورد في الفقرة "أ" من القسم الرابع في قسمه الأول على ما يلي: "يعتزم الطرفان حلّ أي خلافات بشأن تفسير الاتفاق وتطبيقه عن طريق المناقشات التي تقوم بها الولايات المتحدة بتيسيرها"، إذ أنه من المتعارف عليه عرفا وقانونا واجتهادا أنّه خلال توقيع أي اتفاق او اتفاقية أو تعهد أو عقد او أي مستند بين طرفين يتم تحديد مرجعية قضائية أو قانونية او تحكيمية لتكون ملجأ لتسوية أي خلاف قد ينشأ او لمعالجة أي خلل بالبنود المتفق عليها، بينما في عقد الإذعان هذا، تم الاتفاق على أنّ الولايات المتحدة هي المرجعية الوحيدة لحل أي خلاف بشأن تفسير هذا الاتفاق وفقا لنقاشات تقوم بتيسيرها دون تحديد أي اختصاص او قانون مرجعي او قواعد قانونية تحكم او مهلة زمنية.
أما في القسم الثاني من البند المذكور، فقد ورد ما يلي: "يدرك الطرفان أن الولايات المتحدة تعتزم بذل قصارى جهدها في العمل مع الطرفين على المساعدة في تهيئة جو إيجابي وبنّاء والمحافظة عليه لعقد النقاشات وتسوية أي اختلافات بنجاح وبأقصى سرعة ممكنة" وهو ما يشير للعلاقة التطبيعية المنوي تأكيدها بجو إيجابي من خلال هذه الاتفاقية على اعتبار أنّ الطرفين الموقعين عبارة عن دولتين متجاورتين، لا عداء بينهما، وستسعى الولايات المتحدة لمعالجة أي اختلاف "أخوي" بوجهات النظر.

ر‌- الولايات المتحدة تشترط على السلطة التنفيذية للطرفين توقيع الاتفاق ولها تحديد موعد دخوله حيز التنفيذ:

تحديد تاريخ دخوله حيز التنفيذ محصور بالولايات المتحدة الأميركية والتي تشترط قبول حكومة لبنان (والمقصود السلطات التنفيذية) إبلاغها موافقتها برد رسمي أي أنها تطلب ذلك من سلطة دستورية رسمية وذلك بخلاف ما أوحت به السلطة اللبنانية، والتي تُظهر أنها ستوقّع هذا الاتفاق بمعزل عن تصريحات أركانها، وكذلك ادعائهم الحرص على عدم التطبيع وذلك وفق المرفق "ج" من الاتفاقية الذي يؤكد أنها حدود بحرية دائمة وليست مؤقتة وموقّعة من قبل السلطة التنفيذية للجمهورية وتأكيدها على قبول الشروط المنوه عنها أعلاه.
ويدخل الاتفاق حيز التنفيذ فور توقيعه دون تحديد مصير الإجراءات أو الأعمال السابقة لدخوله حيز التنفيذ ولا سيما ما أتمّه الجانب "الإسرائيلي"، مع الإشارة إلى أنّ الأخير باشر ولا صلاحية، بموجب هذا الاتفاق، للسلطة اللبنانية للتأكد من ماهية الشركات التي باشرت ومدى انطباقها وتوافقها مع البند المنصوص عنه في الفقرة "ج" من القسم الثاني السابق، على عكس ما أُقرّ لصالح "إسرائيل" من صلاحيات، والتي إذا ما استخدمتها قد توقف بموجبها الاعمال في "المكمن المحتمل" للبنان لسنوات دون ترتيب أي مسؤولية عليها.


4- في وجوب عرض الاتفاق على المجلس النيابي وفقا لأحكام الدستور:


نصّت المادة 52 من الدستور اللبناني على أن: "یتولى رئیس الجمهوریة المفاوضة عقد المعاهدات الدولیة وإبرامها بالاتفاق مع رئیس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتُطلِع الحكومة مجلس النواب علیها حین تمكّنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالیة الدولة والمعاهدات التجاریة وسائر المعاهدات التي لا یجوز فسخها سنة فسنة، فلا یمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب."
كما نصت المادة 89 من الدستورعلى: "أنه لا یجوز منح أي التزام أو امتیاز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبیعیة أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود."
بالإضافة إلى ذلك، نصّت المادة 86 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه : "يمكن التصويت على مشاريع القوانين التي تجيز إبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية والاتفاقات المعقودة بين الدولة والمؤسسات دون طرح مواد هذه المعاهدات والاتفاقات مادة مادة."
الموضوع، اليوم، لا ينحصر فقط بتسمية الاتفاق، بل بمضمونه، لأنّه يدور حول ملف بحجم ترسيم الحدود، وتداعياته ستكون بمثابة نتائج لمعاهدات واتفاقيات كُبرى، فالموضوع استراتيجي ومهم، لتعلّقه بترسيم حدود بحرية واستخراج الثروات، وهو مرتبط بعقود مستقبلية ومتبادلة تتعلّق بمصير أجيال لبنانية قادمة، وبثروات لبنان التي لا يمكن تعويضها لاحقاً، كما سيؤثّر بمستقبل شعب يُعتبر مصدر السلطات وصاحب السیادة التي یمارسها عبر المؤسسات الدستوریة (وفقا للفقرة د من مقدمة الدستور)، كما ويتعلّق بسيادة لبنان على حدوده، كون الحدود الدولية للبنان مكرّسة في الدستور اللبناني في المواد الثلاث الأولى منه والتي تنصّ صراحة على أنه لا يجوز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنها؛
كما وأن مندرجات وخصائص الاتفاق الحاضر تشير إلى أنه:
أ‌- ليس اتفاق يُمكن فسخه أو تجديده كل عام.
ب‌- اتفاق ذات تبعات ماليّة وشروط دولية وتجارية.
ت‌- اتفاق يتضمّن تغييرا للحدود البحرية وربطها بالحدود البرية، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (التي انضم إليها لبنان) التي تشير إلى أنّ الترسيم البحري له مرتكزات قانونية ومعايير تقنية يتوجب إعتمادها، لا سيما لجهة الربط بين الترسيم البحري والبريّ.
ث‌- وفقا لأحكام البند 2 الفقرة 1 بند "أ" من اتفاقية فيينا الدولية - المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية- تشير الى أنّ الاتفاقيات والمعاهدات يُمكن أنْ تأخذ أشكالا قانونية عديدة مهما كانت تسميتها.
ج‌- الاتفاق يُشير إلى التزامات متبادلة، وقد وردت في بنوده كلمة "طرفين" (الجمهورية اللبنانية و"دولة إسرائيل") ، ممّا يعني أنّه ليس رسالة من طرف واحد بل اتفاق مع طرف آخر.
ح‌- المفاوضات رعتها السلطة التنفيذية باشراف مباشر من رئيس الجمهورية.

وهنا نسأل، أنه في حال كان الاتفاق بمثابة محضر أو رسالة، فلماذا شكّل رئيس الجمهورية وفداً سياسيا قاد من خلاله المفاوضات، وأعلن بشخصه، بعد تشاوره مع رئيسي الحكومة والمجلس النيابي، الموافقة على مندرجات الاتفاق وإعلانه عن اتفاق نهائيّ لا يتمّ تجديده سنوياً؟
فالتذرع بأنّ هذه الإتفاقية ليست سوى مراسلة عادية من قبل السلطة اللبنانية إلى الأمم المتحدة، يتعارض مع أحكام اتفاقية فيينا ، وذلك بهدف إبعاد تطبيق أحكام المادة 52 من الدستور، وهو الأمر المخالف للواقع والقانون، إذ لا يمكن لرئيس البلاد تولي المفاوضات وفقا لأحكام المادة 52 من الدستور وحين تُفضي هذه المفاوضات إلى اتفاق سيكون هذا الاتفاق خارج نطاق المادة 52 من الدستور.
وبالتالي، لا يجوز تجاهل عدم مرور هذا الاتفاق على مجلس النواب، ما دامت كل الشروط تستوفي عقد الاتفاقيات وتداعياتها هي تداعيات اتفاقيّة رسمية، فلا يجوز أن يتم التوقيع إلّا وفقا لأحكام الدستور، أي وفق المادة 52 منه، التي تفرض على الحكومة اطلاع المجلس النيابي على الاتفاقيات وأخذ موافقته، وفي حال لم يطّلع البرلمان عليها، فذلك يشكّل مخالفة دستورية وقانونية واضحة و مخالفة لأحكام قانون البحار ويشكّل تعدياً على سلطة و صلاحية المجلس النيابي الذي يمثّل الشعب اللبناني.


في الختام،
بعيداً عن الشعبوية والخطابات الرنانة، وبناء لما ورد أعلاه، هل يعتبر هذا الاتفاق انتصارا للدولة اللبنانية، أو أقلّه حفظ حقوق لبنان المادية والمعنوية في صراعه مع العدو الإسرائيلي؟ أم يعتبرمجرد عقد إذعان جديد من قبل السلطة الحاكمة؟
الإذعان كلمة عربية معناها الانقياد أو الخضوع، يعني استجب أو أطع رغبة فلان أي أذعن له، أما عقد الإذعان هو عقد وضع شروطه الجوهرية مسبقاً أحد طرفيه، ليتقيد بها كل من يرغب في التعامل معه، فهو عقد يستبعد كل مناقشة بين الطرفين، إِذ يتقدّم أحدهما، وهو الطرف القوي، بمشروع عقد يوجهه إِلى الطرف الآخر، وهو الطرف الضعيف، ولا يسمح لهذا إلا بالقبول بما هو مفروض عليه لهذا سميت هذه العقود بعقود الإِذعان.
وبالخلاصة نختم بالسؤال المركزي، هل يعتبر هذا الاتفاق من قبيل التطبيع؟
بالإضافة إلى ما ورد في المادة الأولى من قانون مقاطعة "إسرائيل" الصادر بتاريخ 23/06/1955 على أنه: "يحظر على كلّ شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص يقيمون في "إسرائيل" أو ينتمون إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها وذلك أيّا كان موضوع الاتفاق صفقة تجارية أو عمليات مالية او أي تعامل آخر مهما كانت طبيعته".
يقصد بكلمة "طبّع" في معجم اللغة العربية المعاصرة، جعل الأمور طبيعية، ويعرّف قاموس أكسفورد التطبيع على أنّه "جعل الشيء مناسبا للظروف وأنماط الفعل الطبيعية، ويطبّع الشيء يعني جعله طبيعيا عاديا، وذلك من خلال تكييفه مع الشروط الطبيعية، بعبارات أخرى، إنّ التطبيع هو عملية تبديل حالة ما هو شاذ غير مألوف، أو غير طبيعي، حتى يصبح طبيعيا ومألوفاً وعادياً".
ومندرجات الاتفاق وظروفه، تؤكد اتجاه السلطة اللبنانية للتطبيع مع الكيان المحتل برعاية الولايات المتحدة الأميركية، وكل ما يشاع عكس ذلك فهو غير صحيح، ومن الحتمي عدم صحة مقارنة هكذا اتفاق مع إجراءات اتُخذت، سابقا، ضمن نطاق قانون الحرب، مثل اتفاق الهدنة الموقّع عام 1949 او تفاهم نيسان العام 1996 او حتى بالقرار الدولي رقم 1701 في العام 2006، لعقدهم خلال الحرب وبنتيجتها، وبرعاية منظمة دولية وليس "دولة" لا يعترف لبنان بها ويعتبرها راعية للإرهاب الدولي المتمثل بالكيان الإسرائيلي.
إنّ ثروات لبنان هي حقٌّ لشعبه وللأجيال الصاعدة، كما أنّ الحدود هي لدولة فلسطين المحتلة، وإن إقدام السلطة اللبنانية على عقد هكذا اتفاق بالمندرجات التي سبق وبحثناها يشكّل اعتداء صارخا واستباحة لحقوقنا كمواطنات ومواطنين لبنانيين.
وبتوقيعها على هذه الاتفاقية، تكون السلطة اللبنانية أقدمت على التعدّي المباشر على السيادة الفلسطينية وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، لا بل واعترفت بكيان محتل وفق أحكام القانون الدولي، كون "إسرائيل" سلطة احتلال وبالتالي سلطة مؤقتة لا يمكن منحها أي نوع من أنواع السيادة على الأراضي التي تحتلها والاستثمار بثرواتها، وهو ما يشكّل انتهاكا صارخا لمبدأ حق الشعبين اللبناني والفلسطيني بتقرير مصيرهما واستثمار واستخراج ثرواتهما الطبيعية.
في المحصلة، خسر لبنان وفلسطين وانتصر النظام اللبناني بتوقيعه اتفاق العار، وقراره هذا اتخذ من منظور مصالح الطبقة السياسية الحاكمة، بمحاولة منها لإنعاش نظامها المهترىء، ولإعادة تجديده في ظلّ انهيار تسببت فيه، وبرعاية دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فاتحين الباب واسعًا أمام الابتزاز "الإسرائيلي" هذه المرة.
وأمام هذا الواقع، يكون الشعب اللبناني أمام احتلال من نوع جديد تمارسه سلطة النظام الحاكم، مجتمعة، ومن حقه القانوني والدستوري مقاومته.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 409
`


المحامي مازن حطيط