بين الجد واللعب

انتصرت المقاومة على الحدود وحوصرت في المؤتمر الاقتصادي في بعبدا
أسقطت المقاومة في بلدة صلحة المحتلة (مستعمرة أفيفيم) على الحدود الجنوبية لبلدة مارون الراس محاولات العدو فرض قواعد اشتباك جديدة على المقاومة تتيح له بموجبها استباحة قتل اللبنانيين واستباحة سيادتهم على بلدهم وأسقطت الخطوط الحمر بين لبنان وفلسطين المحتلة، وذلك بعملية مدروسة بدقة وبحرفية عالية ثبتت مصداقية المقاومة التي ان وعدت وفت، وبهذا المعنى فإنّ العملية شكّلت انتصاراً لمنطق المقاومة على منطق "قوة لبنان في ضعفه" الذي لا يزال البعض يحلم بها.

غير أنّ هذا النصر المؤزر ووجه بهزيمة كبيرة لكلّ البيئة الحاضنة للمقاومة ولكلّ اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود عبر المؤتمر الاقتصادي الذي عقده رئيس الجمهورية بحضور حاكم مصرف لبنان ورؤساء كل أحزاب السلطة، حيث غاب عن المعالجات التي أقرها المؤتمر أي ذكر لمحاربة الفساد في الإدارة العامة واستعادة الأموال المنهوبة على مدى 27 عاماً من عمر هذه السلطة، واقتصرت الحلول على المزيد من الضرائب على الفقراء ونهب زيادات الرواتب وتعويضات نهاية الخدمة والتقاعد.
لقد شارك في المؤتمر ممثلو حزب المقاومة وبالتأكيد كانوا محاصرين بكل حيتان المال والفاسدين الذين نهبوا البلاد وأغرقوها في الدين إلى ما فوق أنوف اللبنانيين، ولم يتمكّن هؤلاء المقاومون من فرض قواعد اشتباك ولا معادلات ردع لناهبي المال العام، وبذلك فإنّ الانتصار على العدو الخارجي الطامع بأرضنا وخيراتنا ذهب به انتصار العدو الداخلي الناهب للمال العام ولتطور لبنان وليؤكّد أنّ معادلة ارتباط التحرير بالتغيير هي الطريق الوحيد للكرامة والعزّة ولا يمكن تجزئة هذه المعادلة أبداً.

الاعتداءات "الإسرائيلية" الأخيرة على ثلاث دول عربية يلغي المنطقة الرمادية في المنطقة
أغارت مسيّرات العدو الصهيوني على مواقع للحشد الشعبي في العراق وحاولت ضرب هدف ما لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأغار الطيران الحربي للعدو على موقع لحزب الله في دمشق. يعني باختصار هناك ثلاث دول عربية تعرضت لاعتداء "إسرائيلي" واضح ومكشوف.
كل هذه الأحداث لم تحرّك جامعة الدول العربية ولم تحثّها على عقد ولو اجتماعٍ بسيط على مستوى السفراء لإدانة هذه الاعتداءات الوقحة ولو كلاميّاً. والأسوأ ليس فقط غياب هذه الجامعة التي بات وجودها لزوم ما لا يلزم بل هو تصريحات لوزيرين عربيين يبرّران العدوان ويعطيان للعدو "حق الدفاع عن بلده"، وهما وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش ونظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة.
إنّ الواقع العربي يعيش فرزاً واضحاً لم يعد فيه أيّ منطقة رمادية، فإمّا أن تكون مع التحالف الأمريكي الصهيوني، وإمّا أن تكون مع القوى المواجهة له، فالذي يبرر للعدو عدوانه على بلد عربي هو حليف موضوعي للعدو وأي كلام آخر هو هرطقة وهلوسة.

الانسحاب من أفغانستان بمفاوضات مع طالبان.. هزيمة لأميركا
مضى أكثر من 18 عاماً على غزو الولايات المتحدة الامريكية لأفغانستان، وقد أطاحت بهذا الغزو بنظام حركة "طالبان" وحليفه تنظيم "القاعدة" وتمّ تشكيل إدارة سياسية وحكومة مواليتين لواشنطن. ولكنّ الحقيقة المرة التي يتجرعها الأميركيون اليوم، هي أنّ كل جهودهم ذهبت هباءً منثوراً وذهبت معها كل دماء جنودهم المُراقة في هذا البلد العصي على الغزاة منذ الغزو الإنكليزي أواخر القرن التاسع عشر.
فقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية رسميّاً ومنذ فترة ليست قليلة في مفاوضات مباشرة مع ممثلي حركة "طالبان" الأصولية من أجل تأمين انسحابٍ آمنٍ لقواتها من أفغانستان خلال 135 يوماً وفشلت في هذه المفاوضات في تأمين الحدّ الأدنى من التعهد الطالباني لهذا المطلب الأميركي.
وعلى أيّ حال، الانسحاب الأمريكي يعني فشلاً أميركيّاً ذريعاً لسياسة العدوان على الشعوب، ومن المستبعد على النظام الافغاني الموالي لواشنطن الصمود في وجه طالبان بعد انسحاب أسياده الأميركيين. بطبيعة الحال إنّ زوال الاحتلال الأميركي لن يزيل تدخل واشنطن في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ومن المرجح أنْ تعود أفغانستان مجدّداً مسرحاً لصراع القوى المحيطة بها من روسيا والصين وإيران إلى باكستان لا سيّما وأنّ الأميركي سيكون معتمداً لممارسة نفوذه في هذا البلد بصورة رئيسية على ما تبقى له في النظام القائم، والذي بالتأكيد لن يبقى قائماً بعد الرحيل الأميركي.

لتعليقاتكم على البريد الالكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.