تفكيكُ بعض سرديةِ الواقع ..

... وحرثٍ لآفاقٍ في سرديةٍ متوالية، تضادٌ هي وائتلاف، تفكيكٌ لبناءٍ غرامشيٍّ .. ينفي فيه الفوضى والرتق والصياغة، يستعيضُ تجدُّداً قاطعاً مع فوضى اجتماعية زمانية مُرهِقة وهادمة.

وما بعد البشرية، هو الأنسنة أو الإنسانية، بمعنى الإنسان الحداثي، ولكي يتوالفَ الوجودُ توثيقاً لسرديةٍ دون قيودٍ حاجبة للعقل. كان في الحقول العلمية المعرفية نتاجٌ ضخمٌ ضاع في فوضى المُلكِ العقيم، والدسائس السياسية، والجشع والتسلّط، وبجعل المجتمعات كيانات عصبيّة، أرهقتها الفتن، وأوقعت فيها المذابح، إضافة لاحتراب داخلي متواصل، ولحروب خارجية، انتهت بسيطرة المُهَيمِن الغربي كولونيالياً - عسكري - سياسي - اقتصادي، وتكنولوجياً بامتلاك المعرفة - الذكاء الاصطناعي.

وبالتالي، انهضمت النهضة الهائلة الماضية، ضاعتْ ونهشتها براثن منظومات الفساد والاستبداد التاريخية، وبأصالة مدموغة بسيخ دبغ جلود البهائم.

كما، كلُّ ما قبل، كما ما بعد، أيضاً كما في السياسة والعسكر، في الأدب ما بعد بعد .. وهو المنطق المُنطلق، الذي يحتاج لإبداعٍ إنسانيِّ، يحوز فيه على المعرفيّ بشرطيةِ ذاتهِ الكاسرة، الحاطمة لأسوار وجدران الزنازين؛ فإن المسألة تنطوي على معنى الحرية .. الأخلاقية بامتياز، وبأنها افتراق محمول الاجهاضات في نفق التحوّل، بأنها، والدخول أو الوقوع في عصب الإشكاليات، والقفز أو انشقاق واقعِ وجوديِّ مغاير للحقبات السابقة.

 

تناولت سابقاً، عن الموت والحياة، بأنّهُ لا نهاية، بل بداية ما بعد بداية .. ما بعد بعد، بداياتٌ متوالية يتغيّر فيها الشكل، ويستمرّ المضمون. حيث، ويبدو إسقاط الفوضى في مولينكس التحوّلات الكبرى، بافتراض خلق مرآةٍ جمعية، تعكس تفاعلات حداثوية بالفكرة والفعل، وتكون بداية ذات سبرٍ تُمثّل المكوّنات الحضارية ضمن بوتقة إنسانية تفاعلية، غرضها كسر تابوات عُمِل عليها طويلاً في الزمن، ولأن إنسان اليوم، يعيش نصفه الحيواني - اللاعاقل، ونصفه الآدمي، وهو ليس اكتشافاً، بقدر ما هو بتسليط الضوء على دور الإنسان وتمايزه في زمن التكنولوجيا، فإذا بالجنس البشري، وقد وقع قاطبةً في معركته مع الروبوتات الذكية المُنتِجة، في فخّهِ الحضاريّ الوجوديّ، وهي ليست بالمعركة الهيّنة، لكنّها، المرحلةُةالمُتخَمةُ الأنواءِ والأعاصيرِ المُستقطِبة، الجاذبة للعقل والكيان، وبالأخصّ، تتجسّد عُنفية المسألة في مجتمعات مُتلقّية، وهي أسواق ما بعد الحربين الكونيتين - حروب الإقتصاد، وباقي التفاصيل مجرّد خداع وهُراء وخواء.

إذن، إنسان، مختبر التسليع، ثمّ إنسان الما بعد، كون النظريات تهبط من فضاءاتٍ تنطوي على مجهوليةِ مُركّب جائحة العصر .. في مختلف مجالات وشؤون الحياة. وليست حالة جذريّة، كان لها تأسيس ما ، بقدر ما هي إسقاط خرافي، يجري فيها سرديةٌ مبهمة الممكن، وكون كوكب الأرض، الآن، في اللاممكن، يتساوى فيه النبؤات الخرافية والعلمية، بما يعني تواصلاً لخداع العقل، ولا عُجالة في هذي الذائقة الوجودية النفسية والاجتماعية والثقافية، لكن، كيف يكون الما بعد، وبعد، شأنيّاً بتواضعٍ كما اهتمام الأدباء والمُفكُرين، والسعيّ لإيجاد فسحتنا الحقيقية بين الأمم.

ليس هيّناً أنّ الوجع في العقل، مقولتي الذاتية - بالطلوع من كلّ الموت، إلى كلّ الحياة.

هَرْسياتٌ تنافُحية، محاكاةٌ ساطعةُ الصورِ والتصوّرات، مليئة التآفق والتعامد، شخوص صلبانها، مناظراتٌ شديدة الحساسية، انحيازٌ عنصريّْ للحياة نفسها، تمسرحٌ غرضيّْ خادمٌ لعدمية الأنا والآخر، الأنا والعقل السلوكي، الأنا والنفس والوعي والضمير والإحساس - خاضعة بتلقائية مريضة ترويضية، مُخضَعة - القوُة الجبرية، الأنا الفاعلة، المؤمنة لدرجة القتل، الرافضة للتجزئة، الكيانية الوحدوية المشاع الإبداعي - المنسوب لفردانيةٍ تستشعر وجودها الجمعي؛ فلا تتشظّى، تتكامل، لأنها الأنا التكاملية، المسحوبة من تدميرٍ قديمٍ جدّاً في الذاكرة، في الجينات، في صراع البقاء، وبأنّ البقاء للأقوى. هل يُمكن .. الأنا المُتمَكِّنةُ الذاتيّةُ تقديراً واعتمالاً، بتأكيدٍ واضح الدلالات، هل، استهلال كلّ المراحل اختباراً لانفجار الما بعد، بذاتيةٍ منظّمةٍ كما معادلات الفيزياء، نكتشفها إمعاناً وسعياً واستدلالاً، طرائق لا تنحصر ووسائل، وتجارب في المواد العلمية، وكما قيل، الفلسفة وعاء العلوم،  فلا انقسام في العلوم البحثية والأدبية لاكتساب مزيد من المعرفة، وحصول التمكّن لأهداف الخيال والحُلُم، فكلّ ما يحلم به الإنسان، كلّ الذي يتكاون في المخيال، هو قابلٌ للتحقيق.

كان، وقد سادَ البَرِيَةَ نومٌ مٌفاجئ، لاجئُ الهوى والجسدِ، لكن، لا ملاجئَ، منافي الشتات والخيام، تناقضات الوحِدةِ، لم تُغيِّر من شأنها .. شأن أولي الأمر والطاعة، فمِتنا ألفاً وأخرى، وثالثة الأفاثي، لا يابسةَ نلقى، لا ماءَ، ولا سماء، وقد كنّا مجرّد أسماءٍ، مجرّد أرقامٍ في مقبرة الأرقام، وقد ظنّنا وطناً واحداً، لغةً، إيماناً، إنساناً .. وجدناه، كان منقرضاً، ولمّا نزل، تأكل الطيور من عنب الرؤوس، وتعصر الأفاعي من أصلاب الأعواد، والسلطان والسَجّان على دين القتل، لذا، لا سؤالَ بعد الآن، عن ابن سينا ورُشدٍ ومَعَرِّ، عن ليلٍ وخيلٍ، عن حمدانيٍّ وكافورٍ ومُتَنَبٍّ، فجميع سَحَرةِ فرعون والقرون، ها هنا في صاروخٍ حشيشيِّ السلالات، لا يضلُّ أبداً ..