يا عمال لبنان.. اتّحدوا! (*)


ياعمالَ لبنان!
تحية لكم، في عيد أول أيار المجيد..
تحية إلى مجد العيد أولًاً، وتحية تهنئة بالعيد ثانياً..


ويطيبُ لي ــ بعدُ ــ أن تكونَ تحيتي هذه، بواسطتكم، إلى مجدِ الشهداءِ الأوّلين الذين منحوا هذا العيدَ العظيم كرامتَه وشرفَه ومغزاه، وإلى عمالِ العالمِ أجمع، الذين يشاركونكم وتشاركونهم المهمةَ التاريخيةَ العظمى التي صار أولُ أيار رمزاً لها، وحافزاً من حوافزِ الحياةِ والقوةِ والنواةِ الثوريةِ الكامنةِ في ساعدِ كلِّ عاملٍ وكادحٍ يصنعُ خبزَ الحياةِ وخبزَ المعرفةِ وخبز الحضارةِ والسلامِ للإنسان..
يا عمالَ لبنان الأعزاء!
ثقتنُنا بكم هي ثقةُ كلِّ إنسان يُدركُ قضيةَ التاريخ، قضيةَ الإنسانِ والشعوب، ويُدركُ أنّ العمالَ ـ أينما كانوا ـ هم قلبُ هذه القضية، وهم "الديناميكية" المحرِّكة لها، وهم سرُّ الحركةِ في دمها وشرايينِها وفي الخلايا الحيّةِ من كيانها الحي..
ثقتُنا بكم، كعمال، ليستْ ثقةً تنبعُ من عاطفةٍ أو خيالٍ أو رؤيةٍ مثاليةٍ ذاتية، وإنما هي ثقةٌ ينبوعها العلمُ والقوانينُ القائمةُ بذاتها في حركةِ التاريخِ البشريِّ الاجتماعي... هي ثقةٌ بالعمالِ لا يُصيبُها ضعف، ولا استرخاء، ولا " قرف"، ولا سأم!
ولكنّ الثقةَ وحدَها، هكذا، ليستْ تكفينا، ولا تكفيكم أنتم سرّ الوقوعِ في حبائلِ أعداءِ شعبكم، أعداءِ قضيتكم: قضيةِ الخبزِ والعلمِ والعافية، قضية السلمِ والحريةِ والتطور إلى أمام، قضية الكرامة البشرية التي يحتقرُها أولئك الأعداء حين يحتقرون كرامتَكم ومطالبَكم ومطامحَكم.
لا تكفينا ولا تكفيكم هذه الثقةُ يا عمالَ لبنان... بل، تحتاجون ونحتاجُ معها الوعيَ للمهمة العظيمة التي يضعُها التاريخُ على أكتافكم من أجلِ إنسانيتِكم أولاً، ومن أجل حياتِكم وحياةِ شعبكم ثانياً...
هذا أول أيار، عيدُكم وعيدُنا وعيد الإنسانية كلِّها... فهل يكفي اتكريمه أن نفرحَ به ساعات، وأن نتعطّلَ له عن العمل ساعات وأن نتبادلَ فيه التهاني والتحيات؟
إنه يأتي هذه المرة، وفي لبنان وطنِكم الحبيب الجميل أشياءُ عجيبة تمزجُ حبَنا العميقَ له بأنواعِ العذاباتِ والمرارات وتشوّه جمالَه بآلافِ اللطخاتِ السود...
قضية الحرية والسلم والتطور إلى أمام، قضية الكرامة البشرية التي يحتقرها أولئك الأعداء حين يحتقرون كرامتكم ومطالبكم ومطامحكم...
إنه يأتي هذه المرة، وفي لبنان وطنكم الحبيب الجميل أشياء، عجيبة تمزجُ حبنا العميق له بأنواع المرارات وتشوّه جماله بآلاف اللطخات السود...
يأتي عيدُ أول أيار، هذه المرة، ولبنانُ في معركةِ انتخابٍ انتُهكتْ بها ضمائرُ المواطنين وكراماتُهم، ولم يذكرْ أحدٌ قضيتَكم، مطالبَكم ومطامحَكم وحاجاتِكم، سوى بضعةِ نفَرٍ منَ الخائفين فيها باسمكم واسم فئاتِ الكادحينَ من شعبِكم... فالمعركةُ الانتخابيةُ اليوم ليستْ سوى سوقِ نخاسةٍ يُباعُ الإنسانُ فيها ويُشرى في زمنٍ بَطُلت فيه تجارةُ الإنسانِ بالإنسان...
اتّحدوا.. مِن أجلكم ومِن أجلنا نحن المواطنين الكادحين معكم بالسواعدِ والأدمغةِ والأقلام...
إنَّ الذين يَشِقّون صفوفَكم ويمزِّقونها، يَهدرون عرَقَكم المقدَّس... إنّ هؤلاء، يفعلون ذلك لينعموا هم بشقائكم وشقائنا جميعاً، ليبقوا طويلاً ينعمون وتِشقون ونشقى...
والتحية الأخيرة لكم: يا عمالَ لبنان... اتَّحدوا!...

(*) مقالة للمفكر الشهيد حسين مروة، نُشرتْ في جريدة النداء، زاوية "لكل يوم" تاريخ 1 أيار 1964