وإحياء المناسبة هو فعل تكريم لهذا التاريخ، للرفيق الشهيد جورج حاوي، الذي أعلن باسم الحزب مع رفيقه الراحل محسن إبراهيم نداءها الأول، ولشهداء شعبنا وحزبنا، وكل الشهداء المقاومين والجرحى والأسرى الأبطال الذين أنجزوا مهمة تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني، والذي لا يزال يشكل خطراً على لبنان بفعل بقاء احتلاله لمزارعٍ شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وهو المستمر أيضاً باعتداءاته وأطماعه في السيطرة على ثروتنا النفطية.
كما هي مناسبة لتجديد دعمنا المطلق لمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني، ولتوجيه التحية لصموده البطولي الرائع ، مطالبين بالحرية لأسراه وموجهين التحية للابطال الذين تمكنوا من الفرار من سجن جلبوع ممرّغين أنف العدو بتراب فلسطين. وهي مناسبة أيضاً لرفع الصوت مجدداً للمطالبة باسترداد جثامين رفاقنا الشهداء الثمانية التي لا تزال محتجزة لدى العدو الصهيوني، مستذكرين، في الوقت عينه، المناضل جورج ابراهيم عبدالله المعتقل ظلماً وعدواناً في السجون الفرنسية ومطالبين باطلاق سراحه. وإحياء المناسبة هو للتأكيد على متابعة المسيرة حتى تحقيق الاهداف التي سقط من اجلها الشهداء، والتي مشت جمّول على دربها، درب التحرير والتغيير ضمن صيرورة نضالية واحدة للتحرر الوطني والاجتماعي لشعبنا؛ إنها المهمة – البوصلة التي رفعت لواءها ومشت باتجاهها منذ انطلاقتها قبل 39 عاماً. إنها المهمة التي بها حررت ثلاثة ارباع الأراضي اللبنانية المحتلة، والتي تمايزت بمفهومها هذا عن بقية المقاومات الأخرى. لقد اعتبرت جمول منذ انطلاقتها ان مقاومتها هي مقاومة شاملة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ضد الامبريالية والصهيونية ومشاريعهما، وضد الرأسمالية ونظامها التبعي وبرجوازيتها المرتهنة لها. وهي مقاومة لا تتجزأ ، وهو ما عبّرت عنه مراراً وتكراراً بشعارها حماية إنجاز التحرير بالتغيير.
إنه الشعار الذي يتوهّج اليوم ويفرض نفسه بحكم الواقع، إذ بدل أن يتجه البلد نحو التغيير، أخذته المنظومة الحاكمة الى الانهيار. فكيف نقاوم من قعر الانهيار؟ من هنا ، وتحت شعار "نحمي التحرير بالتغيير"، ندعو لإحياء ذكرى انطلاقتها مجدّدين انتصارنا لها مع كل من يريد إنقاذ البلد من الانهيار، داعين شعبنا الى محاسبة المنظومة الحاكمة وإسقاط نظامها السياسي، بعد أن عملت على ضرب مقومات صمود شعبنا التي يستند إليها في مقاومته .
ألا يكفي لمحاسبتها كل هذا الانهيار الشامل، وكل هذا الخراب الكبير الذي تسببّت به المنظومة السياسية المرتهنة ونظامها السياسي الطائفي، الذي هدّد ويهدد إنجاز التحرير ومصير لبنان وكيانه ووجوده؟
ألا يكفي لمحاسبتها نهب أموالنا وإذلالنا أمام محطات البنزين، وإفقارنا وحرماننا من المياه والكهرباء والاستشفاء والسكن وحق التعليم النوعي لأطفالنا وطلابنا؟
ألا يكفي لمحاسبتها نهب أموال صغار المودعين وتحكّم الاحتكارات وكارتيلات الدواء والمحروقات، وتدهور قطاع الاتصالات وخدمات الأنترنت، وانهيار قطاع النقل، وتبخّر قيمة الرواتب والأجور، وفقدان فرص العمل ونهب معاشات التقاعد وتعويضات الصرف من الخدمة المدّخرة في الصناديق الضامنة؟
ألا تكفي لمحاسبتها جرائمها المرتكبة في انفجارالمرفأ وكارثة عكار والقمع والتجويع والتخويف ودفع اللبنانيين وخيرة كوادرهم الشابة للهجرة قسراً، بعد ان جردوهم جميعاً من أبسط حقوقهم الإنسانية والاجتماعية ؟
نعم كل هذه الجرائم لم تكن كافية لمحاسبتها، فكل هذه الارتكابات لم ترفع الحصانات ، ولم يحاكم مرتكب واحد من المسؤولين بفعل نظام جمع كل أنماط الفساد في العالم: السياسي والمالي والقضائي والإعلامي والإداري والديني باستخدام الدين وسيلة لحماية المسؤولين الفاسدين.
نعم كيف نقاوم من قعر الانهيار، إذا لم نعمل على إسقاط هذه المنظومة الفاسدة ونظامها القاتل، واسترجاع كل هذه الحقوق وبناء دولتنا العلمانية الديمقراطية المقاومة.
فعلى هذا الركام الهائل من جرائم الفساد، تكوّنت على مدى 30 عاماً منظومة التحالف السلطوي من أمراء الطوائف وأصحاب المصارف والعقارات الكبرى ، التي ارتكبت ما ارتكبته من موبقات، فكان كل واحد منها يخدم الآخر، وهو ما أدى إلى تصدر أصحاب المصارف والعقارات الكبرى المشهد الحكومي ، وهو ما أفرزته المحاصصة المستجدة لتشكيلة الحكومة الميقاتية التي جاءت بفعل ضغوطات خارجية، وعلى وقع تفاهمات دولية –إقليمية، ما يؤشّر إلى المنحى الذي ستتجه نحوه هذه الحكومة.
والمكتوب يقرأ من عنوانه ، بحسب عناوين بيانها الوزاري ، فهي ستبدأ بفتح باب التفاوض مجدداً مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ ما تعهد لبنان القيام به من " إصلاحات "، وبرفع الدعم الكامل عن المواد الأساسية والسير بالتعيينات والانتخابات النيابية ومشاريع الخصخصة بدءاً بالكهرباء ، أما بالنسبة الى ما تطالب به القطاعات فالجواب كان واضحاً من رئيس الحكومة ، "منشّفين". حلوة الصراحة، وحلو هذا الاعتراف الواضح والصريح . "نشّفوا كل شي" لتأتي حكومة "المنشفين" ، وتحمّل الشعب اللبناني كل أكلاف الانهيار بدلا من تحميلها للذين نهبوا وهرّبوا أموالهم إلى الخارج وحموا ثرواتهم، وهم يراهنون اليوم على استجداء القروض من الهيئات الدولية والعربيّة، وعلى تهجير اللبنانيين إلى الخارج، وخنق القدرة الشرائية، وكبح الاستهلاك المحلي.
إذن انها حكومة "المنشفين" ، المركّبة على تفاهمات وتقاطعات معلنة وضمنية؛ فتركيبتها تقع، بصورة عامة وبالكامل، تحت السقف السياسي لأطراف السلطة ، حيث يهيمن عليها حزب المصارف ورؤوس الأموال العابر للطوائف والأحزاب. فهناك مجموعة من قوى الضغط المرشًحة لأن تلعب دوراً سياسياً مؤثراً على صعيد العديد من الملفًات لاسيما الاقتصادية والمالية والنقدية المطروحة. ومجموعة أخرى معنية بالدفاع عن مصرف لبنان وحاكمه، وعن عملية التواصل والتنسيق بين هذا الأخير ورئاسة المجلس النيابي، في كل ما يتعلق بالرقابة على التحويلات والتحقيق الجنائي في أوضاع مصرف لبنان، وكذلك في التحقيق في جريمة المرفأ فضلاً عن مسألة رفع الحصانات وغيرها من المسائل ذات الصلة. وثمًة أيضاً مجموعة أخرى وازنة تعتبر الابنة الشرعية والوديعة المباشرة للمنظمات الدولية وخصوصاً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي سيكون لها دور أساسي في تنفيذ ما يسمى " بإصلاحات مؤتمرات باريس" ومحاولة فرض "معالجاتها" الخاصة بإعادة إحياء المصارف وتوحيد أسعار الليرة وضبط الإنفاق العام وصولاً الى تشجيع الانكماش والدفع في اتجاه خصخصة موجودات القطاع العام. وهناك مجموعات معنية بالدفاع في كل لحظة، وبشكل أعمى، عن المصالح الخاصة والزبائنية لكلً من أركان التحالف الهشً المشكلين لهذه الحكومة .
عليه، اعتبرنا أنّ أيّ حكومة إذا لم تكن من خارج منظومة الانهيار التي اوصلت البلد الى ما هو عليه، هي حكومة فاشلة وغير قادرة على معالجة الازمات المختلفة التي يمر بها الشعب اللبناني؛ إذ لا يمكن لمن تسبّب بالأزمة، وقام بأكبر عملية نهب للشعب اللبناني، أن يكون هو صاحب الحلّ. وإن منطق المحاصصة المعمول به منذ الطائف وحتى اليوم، مع كل ما راكمه من أزمات، يؤكد بأن البلد يمر في أزمة نظام سياسي وليس ازمة حكومية، وبالتالي تصبح مسألة إسقاط النظام السياسي القائم هي الأساس وليس تجميله أو تعديله. وبناء عليه، نؤكد على ضرورة استكمال المواجهة ضد المنظومة الحاكمة ونظامها، وتحميلها مسؤولية الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومحاسبتها على كل الجرائم التي ارتكبتها . ومع اقتراب رفع الدعم، نرى ضرورة خوض الصراع ضدها في كل المجالات، وبخطاب سياسي واضح بما يخدم توسيع الشرخ في العلاقة بين الشعب اللبناني والمنظومة الفاسدة، وتحويل الشعور بالظلم لدى المنتفضين والفقراء المهمشين إلى إرادة ورغبة بالتصعيد والتمرّد بهدف تحقيق التغيير. إن قوة الموقف وقوة الحشد والتنظيم والشعار والمثابرة هو الرد المطلوب والواضح الأهداف ببعده المرتبط بالبرنامج السياسي لتغيير موازين القوى.
عاشت ذكرى "جمّول" ،
والمجد والخلود للشهداء .
بيروت في 14/9/2021