النضالات المطلبية في خدمة الرأسمالية وتوسّعها

الرأسمالية لا يمكن أن تكون إلّا توسّعية
أعلاه هو ما تفضي إليه معادلة فائض القيمة. من ينتج السلع، في ظل النظام الرأسمالي، ليس لديه القوة الشرائية الكافية لاستهلاك هذه السلع بحيث أن أجره أقل من قيمة عمله وبالتالي من قيمة هذه السلع. نتيجة ذلك يصبح الخارج (الأطراف) ضرورة حيوية للمركزالمُنتِج.

توسّع الرأسمالية يحصل بالطبع من المركز إلى الأطراف. حصل تاريخيّاً عبر السيطرة الاستعمارية واستُكمِل عبرهيئاتٍ اقتصادية ومؤسساتٍ مالية مختلفة. استفادت الرأسمالية في توسعها ولا تزال من المخزون الاستعماري (عسكري، ثقافي،... إلخ). اعتُمِدت بذلك منهجية مبنية على التفتيت من أجل الهيمنة والنهب من ناحية ومن أجل منع هذه الأطراف من الإنماء والتقدم، وبالتالي قيام مراكز رأسمالية تنافسية من ناحية أخرى. نتيجة لذلك تشكّلت في الأطراف أنظمة "رأسمالية" تابعة وظيفتها الأساسية الإسهام في استيعاب فائض القيمة المُنتَج في المركز.

إنّ التوسع والهيمنة والنهب حاجة علمية للرأسمالية وليست قصوراً في الأخلاق
إنّ حاجة الرأسمالية إلى التوسّع تجعل منها أممية في طبيعتها، تتناقض دون شك مع المفهوم القديم للدول الوطنية القومية. لماذا أبقت عليها إذاً؟ بغض النظر عن ترسّخ هذه الدول "الأوطان" عميقاً في التاريخ وارتباطها النفسي الوثيق بشعوبها، هي أبقت عليها بالدرجة الأولى لوظيفتها، حيث حولّت الرأسمالية معظم دول المركز، خاصةً الأوروبية منها، إلى هيئاتٍ ناظمة لعملها من جهة وبعضها إلى أذرعٍ عسكرية لتفتيت الأطراف والهيمنة عليها من جهة أخرى. إنّ الخريطة العلمية التي تعمل الرأسمالية على أساسها ليست خارطة الدول إنّما العالم المتمثّل بالمراكز والأطراف، وما الدول إلّا خدمةً لعملها وتوسعها.

بناءً على ما تقدّم، ترتكز الرأسمالية على استغلال الطبقة العاملة في المركز وعلى اضطهاد الشعوب في الأطراف بالهيمنة عليها وتفتيتها ونهبها بسبب حاجتها إلى التوسّع. واستغلال الطبقة العاملة واضطهاد الشعوب هما إذاً النتيجتان المباشرتان للرأسمالية. تغلب الأولى على الثانية كلّما اقتربنا من المركز والعكس كلّما ابتعدنا عنه نحو الأطراف. أليس ذلك ما يجب أن يُحدّد التناقض الرئيسي وفقاً للمكان والزمان؟

لذلك لا يُعقل أن يكون النضال في مواجهة الرأسمالية قرب المركز مشابهاً للنضال بعيداً في الأطراف. فطبيعة الرأسمالية الاستغلالية للطبقة العاملة قرب المركز تدفع في اتجاه الصراع الطبقي، وبعيداً عن المركز أي في الأطراف طبيعة الرأسمالية المهيمنة الاضطهادية للشعوب تدفع في اتجاه التحرّرالوطني من أجل التخلّص من التبعية والهيمنة.
طبعاً هنالك استغلال للطبقات العاملة والفقيرة في الأطراف من قبل "البرجوازية التابعة" ولكنه يشكّل تناقضاً ثانويّاً على اعتبار أنّه نتيجةٌ للرئيسي أي الهيمنة والتبعية.

لم تنجح الأحزاب الشيوعية الأوروبية، عبر نضالها الطويل، في تحقيق الاشتراكية في دولها، رغم وجود كل العوامل الموضوعية والذاتية المؤاتية لذلك، فوصلت إلى ما وصلت إليه من الضعف والتفكك. إنّ الأسباب كثيرة ومتشعبة ولا يوجد مكان لها هنا لعرضها ومناقشتها ولكن نكتفي بالاشارة إلى السبب المرتبط بطبيعة النضال الذي اعتمدته هذه الأحزاب.

دفعت الأحزاب الشيوعية الأوروبية، في تجربتها الطويلة والغنية، باتجاه تأسيس النقابات واعتماد أسلوب النضال المطلبي الذي نجح بشكلٍ كبير في تحقيق مكتسباتٍ كثيرة للطبقة العاملة، ولكنه فشل في هزيمة الرأسمالية وإقامة النظام الاشتراكي البديل. خففت هذه المكتسبات من حدّة الصراع الطبقي، وبالتالي ساهمت بشكلٍ غير مباشرفي صمود الرأسمالية واستمرارها. لم تكن هذه المكتسبات ممكنة دون السيطرة الامبريالية، فكلّما تحسّنت أوضاع العمال في دول المركز ازدادت الحاجة إلى الهيمنة والنهب في دول الأطراف. وأضحت هذه النضالات المطلبية جزءاً من النظام الرأسمالي بدل أن تكون النقيض له، وفقدت نتيجة لذلك الأحزاب الشيوعية علة وجودها ولم تسهم المكتسبات الاجتماعية المحققة إلى تعاظم شأنها و"تشكيل كتلة شعبية" بل إلى ضعفها وتفككها. ذلك في المركز فكيف في الأطراف حيث التناقض الرئيسي في مكان آخر كما أشرنا أعلاه.

من حق عمال وفقراء الأطراف أن تطالب بتحسين عيشها والنضال من أجله في نقابات وتجمعات مختلفة، وعلى الحزب الشيوعي أن يكون سنداً لهذه الفئات في نضالها، لكن هذا الحق لا يشكل التناقض الرئيسي ويبقى على هامش الصراع الأساسي في مواجهة الرأسمالية. هذا النضال يسهم في تحسين ظروف الحياة في السجن ولكن لا يمكن أن يؤدي إلى الخروج منه إلى الحرية.

إنّ الإطباق على الرأسمالية واقامة البديل الاشتراكي يقتضي صراعاً طبقياً حاداً في المراكز لا تستطيع الرأسمالية تلبية متطلباته والإفلات منه عبر نهب الاطراف. ذلك يفترض أن الاطراف بدورها تواجه الرأسمالية برفضها للاضطهاد عبر حركة تحرر وطنية جامعة تمنعه من نهبها وتنهي هيمنته.

وكما أنّ الرأسمالية هي أممية في طبيعتها، يجب أن تكون مواجهتها كذلك. من هنا تأتي الحاجة إلى طرح يجمع بين مصالح شعوب الأطراف والطبقة العاملة في المراكز ولا يضعها في تناقض دائم تستفيد منه الرأسمالية للإفلات من الواحدة بالاستعانة بالأخرى. إنها جبهة تسعى إلى تحقيق الاشتراكية وليس نظام الرعاية الاجتماعية.

 

 

  • العدد رقم: 360
`


جواد الاحمر