يجري السؤال، وعلى وقع تطوّر الأحداث المتسارع، عن مغزى استقالة المندوب الأميركي للرئيس ترامب، في صفقة القرن، واستبداله بمندوب آخر، سيبدأ جولته، بعد الانتخابات المزعم إجراؤها في الكيان الصهيوني، لإعادة إحياء هذه الصفقة. هذه الجولة ستقوده إلى البلدان العربية، التي أعلنت موافقتها سابقاً على صفقة القرن، مثل دول الخليج، وعلى رأسهم السعودية، مروراً بمصر والأردن، ويتزامن ذلك مع تصريح نتنياهو بمناسبة قرب البدء بضخّ الغاز من فلسطين المحتلة إلى مصر، قال فيه "لقد أقمنا تحالفاً استراتيجيّاً مع دول شرقي المتوسط وبلدان عربية، لحفظ أمن واستقرار المنطقة"!
في مقلبٍ آخر، تشهد المنطقة معاركَ ملتهبةً، وصراعاً عنيفاً ضدّ التواجد الأميركي في العراق من قبل المنتفضين في العراق، بالإضافة إلى قضايا اجتماعية اقتصادية ضدّ الفساد الحكومي المالي والإداري، والوضع المعيشي المزري لدولة هي الرابعة في إنتاج النفط. وتصاعد حدّة المعارك في اليمن وسوريا، ودخول الدبلوماسية الروسية بقوة على خط الوساطة في ليبيا، بين الفريق حبتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز سراج، لتعويض الخسارة التي لحقت بها في ليبيا والعراق، ولإنهاء معركة تحرير إدلب في سوريا، وبذلك تضمن روسيا مصالحها، بدخولها إلى المياه الدافئة، وهو حلم روسيا الكبير، على حدّ تعبير امبراطورة روسيا كاترين الثانية منذ قرنين من الزمن.
في خضمّ الأحداث هذه وعلى وقع الانتفاضات الشعبية، والمرشّحة للتصعيد، يبرز السؤال عن موقع القضية الفلسطينية، وصفقة القرن، في حسابات كلّ الأطراف، الإقليمية والدولية على حدٍّ سواء. والسؤال الأهم، ما هي خطة واستراتيجية السلطة الفلسطينية، والقيادة الرسمية على صعيد المواجهة لحركة الإدارة الأميركية عبر ممثّلها الجديد، وحثّه على العمل بوتائرَ أسرع، لإنضاج صفقة القرن؟ في حين سبق وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وقوفه إلى جانب السعودية، في أيّ نزاع اقليمي، ويعني صراحة ضدّ محور المقاومة والممانعة، وبالتحديد إيران، ممّا يعني أنّ الأمر محسومٌ لديه، بأنّ الصراعَ العربي - الإسرائيلي، قد استبدل عنده أيضاً بالصراع العربي- الفارسي، وهو الخطاب الرسمي للولايات المتحدة الأميركية وأدواتها، بدءاً من العدو الصهيوني وصولاً إلى الأنظمة الرجعية العربية، مروراً بنظامي كامب دايفيد ووادي عربة، ويمكن ضم اتفاق أوسلو لصاحبه وعرّابه الأوّل رئيس السلطة الفلسطينية. وبالتالي اختزال القضية الفلسطينية، وإلحاقها بمحورالرجعية العربية بقيادة السعودية، المموّل الأساسي لصفقة القرن.
في هذا السياق، يتحرّك ترامب وإدارته، ويستعد لاندفاعةٍ جديدة، لإحياء مشروع صفقة القرن، والسير به قدماً، لأنّ ذلك يتماهى مع المشروع الأميركي الصهيوني، الذي يهدف إلى تقسيم المنطقة ودولها إلى دويلات متناحرة وعلى أساس عرقي وطائفي وديني، تحتلّ فيه دولة الاحتلال الموقع الريادي، كدولة يهودية. كذلك يتماشى مع المنظومة الفكرية القائمة على الميثولوجية والخرافات المثالية الغيبية، التي يعتنقها ترامب ألا وهي عقيدة المسيحية الصهيونية، التي تؤمن بـ"أنّ إعادة وتجميع اليهود في فلسطين، وقيام الدولة اليهودية، يعجل بالعودة الثانية للمسيح، وسيقيم دولته (المسيحية) التي ستمتد إلى ألف عام".
وفي هذا الإطار جرى الدعم الكامل للكيان الصهيوني من قبل ترامب، لعملية التهويد الشاملة للقدس والمدن الفلسطينية بيت لحم والخليل، والاعتراف بالمستوطنات الصهيونية غير الشرعية. وذهب ترامب أبعد من ذلك عبر الاعتراف بضم الجولان وغور الأردن وساحل البحر الميت، إلى الكيان الصهيوني، والدولة اليهودية التي يجري اصطناعها وبنائها، في أكبر عملية تزوير وتحريف لتاريخ وجغرافيا المنطقة.
إنّ المسافة بين الشعب الفلسطيني وسلطته، بدأت تتّسع وتتعمق، والرهان فقط على انتفاضة الشعب الفلسطيني، الذي يقاوم اليوم، والذي أسقط عمليّاً اتفاق أوسلو ويعمل على دفنه، وسيسقط صفقة القرن التي تعود لتطل برأسها بثوب جديد، وحلّة أميركية جديدة، عبر مبعوث أميركي متصهين جديد.