يزداد عدد المتظاهرين شيئا فشيئاً، فيعلو صوت واحد: "الشعب يريد إسقاط النظام!". وصلنا إلى السراي في النبطية التي غصّت بأصوات الجموع تردد الجملة عينها. النبطية بحيثياتها السياسية والاجتماعية والتي تميل إلى الثنائي الشيعي كأكثرية واضحة، وصورتها الدينية البحتة، لم تجعلنا نتوقع يوماً مشاركة هذا الكم الهائل من فئات لا يمكن لشيوعيي أنصار وكفرمان وبلدات المنطقة حشدها.
جاب المتظاهرون في الليالي الأولى للانتفاضة شوارع النبطية وبيوت نوابها، حيث أن ضغط الشارع كان كفيلاً بحرق لوحات مكاتب النواب. إرباك حتى الصباح في النبطية، وأعداد هائلة للقوى الأمنية واستمرار المعتصمين بين دوار كفرمان والنبطية وإقفال الطرق.
في اليوم الثاني للانتفاضة، اقتلع المتظاهرون "البارك ميترز" والأعداد في تزايد مستمر حتى منتصف الليل، قبل هجوم بلطجية قوى الأمر الواقع وفتح الساحة. لم تنتهِ الأمور هنا فحسب، بل في يوم ٢٣ تشرين عمدت البلدية إلى شنّ هجوم منسق ضمّ أفراداً من بلدية النبطية ومحازبين لحركة امل وحزب الله وانهالوا على المتظاهرين ضرباً بالعصي، بطريقة وحشية بهدف فضّ الساحة أمام السراي حتى وصول الجيش ليقف بين الشارعين.
هذه القوى قسّمت الشارع ،بين أُناس يطالبون بحقوقهم وبين فقراء آخرين.
لم ترضَ القرى المجاورة بما حصل ففي اليوم التالي استمرت الاعتصامات والمسيرات دعماً للمنتفضين وضد الاعتداء الذي حصل.
النبطية ليست كما غيرها من المدن، النبطية تعيش اليوم أفضل أيامها، تعيش اليوم حركات طلابية ضخمة وتظاهرات كبرى يغيب عنها الإعلام اللبناني، مع العلم أن الشيوعي في كفرمان له فائض القوة في الصمود إلى يومنا هذا ومؤازرة متظاهري المدينة.
تقول إحدى الرفيقات: "إنّ ما حصل في الأسبوعين الفائتين كان إثباتاً حتميّاً لانتصار النبطية، التي غدت أيقونة الثورة وعروسها. النبطية التي نحب! أناس خلعوا رداءهم الحزبي، قالوا كلمتهم المحقّة، هتفوا ضد الثنائي الشيعي كاسرين القيود والأطر باسم الحرية وحدها. لم أتخيّل قط أنّ مدينة كالنبطية كانت ولا زالت تضم الاكثرية الغالبة من مؤيدي حزب الله وحركة أمل أن تنتفض على هذه الشاكلة، أن تنتصر فيها كلمة الفقير، أن تجرؤ، وبالكامل، على رفض التبعية السياسية والفساد بجميع أشكاله، الاجتماعي، السياسي، التربوي، الصحي والمالي، أن تجرؤ على تسمية الأمور كما هي، غير آبهة بنتيجة الغد لأنّ فقر الأمس ومآسي اليوم قد نهشا كرامتها الإنسانية.
وقد كان ملفتاً في اليومين الاخيرين، موجة تحركات طلابية من شمال لبنان وصولاً إلى جنوبه. وكان للنبطية دورٌ كبيرٌ فيها، حيث ساهمت جلُّ الجامعات والمدارس والمعاهد في إضرابٍ عن التعليم. وكان من اللافت أيضا كلمات وهتافات الطلاب والتلاميذ المطلبية التي كانت تطال السياسات التعليمية والفساد التربوي برمّته. لقد أثبت جيلُ الغد بأنّه جيلٌ لغدٍ أفضل.
ليس بوسعنا إلّا أن نعبّر عن صورة النبطية الجديدة، بحلّة ثائرة، رافضة للفساد، تحكمها كلمة الحق. لن تسمح النبطية مجدّداً أن تعود للتبعية ولا للحيثيات السياسية التي كانت ترخي بثقلها على المنطقة وتؤطر حريتها في التعبير عن مطالب أهلها وناسها".
ضجّت النبطية بأهلها يوم الأحد الفائت، في 10 تشرين الثاني، وبالأخص نساء كفرمان وأنصار اللواتي كنّ في مقدمة التظاهرة تحت عنوان "صرخة نساء الجنوب".
ما حصل، وما يحصل في مدينتنا الأم ثورة لم نشهدها قط، وما عجزت عنه قوى الاعتراض في الانتخابات النيابية يقوم به رجال ونساء وطلاب النبطية في حالة الاعتراض هذه رغم بطش قوى السلطة وتهديداتها المستمرة في القرى. حين قلنا أنّ هذه الانتفاضة عليها أن تنصف مدينتنا فعليّاً، فعليها إذاً أن تذكّرَ القريب والبعيد أن النبطية في قلب الجنوب والجنوب في قلب الوطن، وأن المقاومة للجميع كما الأرض.